الجمعة، 28 سبتمبر 2012
تفسير سورة الفتح آية (١١)
{ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)} [ الفتح ]
سيقول لك -أيها النبي- الذين تخلَّفوا من الأعراب عن الخروج معك إلى "مكة" إذا عاتبتهم: شغلتنا أموالنا وأهلونا, فاسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا, يقولون ذلك بألسنتهم, ولا حقيقة له في قلوبهم, قل لهم: فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم شرًا أو خيرًا؟ ليس الأمر كما ظن هؤلاء المنافقون أن الله لا يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق, بل إنه سبحانه كان بما يعملون خبيرًا, لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه.
[ تفسير الميسر ]
{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } حول المدينة، أي الذين خلفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرّض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها { شَغَلَتْنَا أَمْوالُنَا وَأَهْلُونَا } عن الخروج معك { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } الله من تَرْك الخروج معك قال تعالى مكذبا لهم: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي من طلب الاستغفار وما قبله و { مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } فهم كاذبون في اعتذراهم { قُلْ فَمَن } استفهام بمعنى النفي أي لا أحد { يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } بفتح الضاد وضمها { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي لم يزل متصفاً بذلك.
[ تفسير الجلالين ]
قوله تعالى: { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } قال مجاهد وابن عباس: يعني أعراب غِفار ومُزَيْنة وجُهينة وأَسْلم وأشْجَع والدِّيل؛ وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة؛ تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حَذَراً من قريش، وأحرم بعُمْرَةٍ وساق معه الهَدْيَ؛ ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً فتثاقلوا عنه واعتلّوا بالشّغل؛ فنزلت. وإنما قال: «الْمُخَلّفُونَ» لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيّه. والمخلَّف المتروك. وقد مضى في «براءة». { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } أي ليس لنا من يقوم بهما. { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } جاءوا يطلبون الاْستغفار وٱعتقادُهم بخلاف ظاهرهم؛ ففضحهم الله تعالى بقوله: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } وهذا هو النفاق المحض. { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } قرأ حمزة والكسائي «ضُرًّا» بضم الضاد هنا فقط؛ أي أمراً يضركم. وقال ٱبن عباس: الهزيمة. الباقون بالفتح؛ وهو مصدر ضررته ضَرًّا. وبالضم ٱسم لما ينال الإنسان من الهزال وسوء الحال. والمصدر يؤدّي عن المرّة وأكثر. وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قالا: لأنه قابله بالنفع وهو ضدّ الضرّ. وقيل: هما لغتان بمعنًى؛ كالفَقْر والفُقْر والضَّعْف والضُّعْف. { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } أي نصراً وغَنِيمة. وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجِّل لهم النفع.
[ تفسير الجامع لأحكام القرآن - القرطبي ]
[ ص: 337 ] يقول تعالى مخبرا رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا المسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذروا بشغلهم بذلك ، وسألوا أن يستغفر لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد ، بل على وجه التقية والمصانعة ; ولهذا قال تعالى : ( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ) أي : لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس ، وهو العليم بسرائركم وضمائركم ، وإن صانعتمونا وتابعتمونا ; ولهذا قال : ( بل كان الله بما تعملون خبيرا ) .
[ تفسير ابن كثير ]
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق