قال سبحانه وتعالى :
{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧) } [ سورة غافر ]
الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حول العرش ممن يحف به منهم, ينزِّهون الله عن كل نقص, ويحمَدونه بما هو أهل له, ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام, وجَنِّبْهم عذاب النار وأهوالها. تفسير الميسر
قال خلف بن هشام : أتيت سليم بن عيسى لأقرأ عليه ، فكنت أقرأ عليه حتى بلغت يوماً سورة غافر فلما بلغت إلى قوله تعالى
{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر٧] بكى بكاءُ شديداً، ثم قال لي : يا خلف ألا ترى ما أعظم حق المؤمن ؟ تراه نائماً على فراشه والملائكة يستغفرون له .
[ابن خلكان – وفيات الأعيان (٢/٢٤٢)]
من كتاب ليدبروا آياته
{ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } مبتدأ { وَمَنْ حَوْلَهُ } عطف عليه { يُسَبِّحُونَ } خبره { بِحَمْدِ رَبّهِمْ } ملابسين للحمد، أي يقولون: سبحان الله وبحمده { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } تعالى ببصائرهم أي يصدقون بوحدانيته { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } يقولون { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي وسعت رحمتُك كلَّ شيء وعلمُك كلَّ شيء { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } من الشرك { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } دين الإِسلام { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } النار. تفسير الجلالين
الذين يحملون العرش: أي الملائكة حملة العرش.
ومن حوله: أي والملائكة الذي يحفون بالعرش من جميع جوانبه.
يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هذه صلاتهم وتسبيحهم.
ويؤمنون به: كيف لا وهم عنده، ولكن هذا من باب الوصف بالكمال لهم.
ويستغفرون للذين آمنوا: أي يطلبون المغفرة للمؤمنين لرابطة الإِيمان بالله التي تربطهم بهم.
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما: أي يقولون يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك: أي فبما أن رحمتك وعلمك وسعا كل مخلوقاتك فاغفر للذين تابوا إليك فعبدوك ووحدوك واتبعوا سبيلك الذي هو الإِسلام.
وقهم عذاب الجحيم: أي احفظهم من النار فلا تُعذّبهم بها.
جنات عدن: أي بساتين فيها قصور وأنهار للإِقامة الدائمة.
التي وعدتهم: أي بقوله تعالى: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتهم الأنهار.
ومن صلح من آبائهم: أي ومن صلح بالإِيمان ولم يفسد بالشرك والكفر.
وقهم السيئات: أي احفظهم من جزاء السيئات التي عملوها فلا تؤاخذهم بها.
ومن تق السيئات يومئذ: أي ومن تقه جزاء سيئاته يوم القيامة فلم تؤاخذه.
فقد رحمته: أي حيث سترته ولم تفضحه وعفوت عنه ولم تعذبه.
وذلك: أي الوقاية من العذاب وإدخال الجنة
هو الفوز العظيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } يخبر تعالى عن عظمته وموجبات الإِيمان به وبآياته وتوحيده ولقائه فيقول الذي يحملون العرش أي عرشه من الملائكة كالملائكة الذين يحفون بعرشه الجميع { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } تسبيحاً مقروناً بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده ويؤمنون به أي يؤمنون بوحدانيته وعدم الإِشراك في عبادته { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } لرابطة الإِيمان التي ربطتهم بهم ولعل هذا السرَّ في ذكر إيمانهم لأن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من الله للمؤمنين من عباده. وهو معنى قوله: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي يقولون متوسلين إليه سبحانه وتعالى بصفاته { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك سائر المخلوقات فاغفر للذين تابوا أي إليك فتركوا الشرك واتبعوا سبيلك الذي هو الإِسلام فانقادوا لأمرك ونهيك، وقهم عذاب الجحيم أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار وأدخلهم جنات عَدْنٍ أي إقامة من دخلها لا يخرج منها ولا يبغي عنها حولا لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريَّتهم أي وادخل كذلك من صلح بالإِيمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم وذريَّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم. وقولهم إنك أنت العزيز الحكيم توسل أيضاً إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في سائر الكائنات.
وقولهم: { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم وتسترها عليهم حتى يتأهّلوا للحاق بأبنائهم الذين نسألك أن تلحقهم بِهِمْ، { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أي يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } ، { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم لقوله تعالى:
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
[آل عمران: ١٨٥]. ومعنى ومن تق السيئآت أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم فلا يؤاخذهم بها، فينجوا من النار ويدخلوا الجنة وذلك أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان عظم الرب تعالى.
٢- بيان فضل الإِيمان وأهله.
٣- فضل التسبيح بقول: سبحان الله وبحمده فقد صح أن من قالها مائة مرة حين يصبح أو حين يمسي غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر أي في الكثرة.
٤- بشرى المؤمنين بأن الله تعالى يجمعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم في الجنة، وقد استجاب الله للملائكة وقد أخبر تعالى عن ذلك بقوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: ٢١].
[ أيسر التفاسير أبو بكر الجزائري ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق