الأحد، 24 فبراير 2013

قال جل جلاله في سورة الشورى : { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)}


في التفسير الميسر :
ولو بسط الله الرزق لعباده فوسَّعه عليهم، لبغوا في الأرض أشَرًا وبطرًا، ولطغى بعضهم على بعض، ولكن الله ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. إنه بعباده خبير بما يصلحهم, بصير بتدبيرهم وتصريف أحوالهم.
---***•••***•••***•••***•••***•••***---
قال القرطبي فيه مسألتان :
الأولى ـ في نزولها؛ قيل: إنها نزلت في قوم من أهل الصُّفَّة تمنَّوْا سَعة الرزق. وقال خَبَّاب بن الأرَتّ: فينا نزلت؛ نظرنا إلى أموال بني النَّضير وقُريظة وبني قَيْنُقَاع فتمنيناها فنزلت. { وَلَوْ بَسَطَ } معناه وسّع. وبسط الشيء نشره. وبالصاد أيضاً. { لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } طغَوْا وعصَوْا. وقال ٱبن عباس: بغيُهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس. وقيل: أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله:
" لو كان لاْبن آدم واديان من ذهب لاْبتغى إليهما ثالثاً "
وهذا هو الْبَغْيُ، وهو معنى قول ابن عباس. وقيل: لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع. وقيل: أراد بالرزق المطر الذي هو سبب الرزق؛ أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء، فيقبِض تارة ليتضرّعوا ويبسُط أخرى ليشكروا. وقيل: كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض؛ فلا يبعد حمل البغي على هذا. الزّمخشِريّ: «لَبَغَوْا» من البغي وهو الظلم؛ أي لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا؛ لأن الغِنَى مَبْطَرة مأشرة، وكفى بقارون عبرة. ومنه قوله عليه السلام:
" أخوفَ ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها "

ولبعض العرب:
وقد جعل الوسْمِيّ يُنبت بيننا ••• وبين بني دُودَان نَبْعاً وشَوْحَطَا

يعني أنهم أحيُوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتغابن. أو من البَغْي وهو البَذَخ والكبر؛ أي لتكبّروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلوّ فيها والفساد. { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. وقال مقاتل: «يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ» يجعل من يشاء غنيًّا ومن يشاء فقيراً.
الثانية ـ قال علماؤنا: أفعال الربّ سبحانه لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب على الله الاستصلاح؛ فقد يعلم من حال عبدٍ أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزْوِي عنه الدنيا؛ مصلحة له. فليس ضيق الرزق هواناً ولا سعة الرزق فضيلة؛ وقد أعطى أقواماً مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح. والأمر على الجملة مفوّض إلى مشيئته، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى. وروى أنس

" عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: «من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي وإني لأغضب لهم كما يغضب الليث الحَرِد. وما تردّدت في شيء أنا فاعله تردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ولا بدّ له منه. وما تقرّب إليّ عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً ومؤيّداً فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته. وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه لدخله العُجْب فأفسده. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإني لأدبر عبادي لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير» "
ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم إلا الغنى فلا تفقرني برحمتك.

---***•••***•••***•••***•••***•••***---

قال الطبري
27-ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير القول في تأويل قوله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء} ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى، فمال جل ثناؤه: ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسعه وكثره عندهم لبغوا، فتجاوزوا الحد الذي حده الله لهم إلى غير الذي حده لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنه ينزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه. ذكر من قال ذلك:23715- يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو هانئ: سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما أزلت هذه الآية في أصحاب الصفة {ولو بسط الله الرق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء} ذلك بأنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا.حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقري، قال: ثنا حيوة، قال: أخبرني أبو هانئ، أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الآية، ثم ذكر مثله.23716- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} .... الآية قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك.وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " . فقال له قاتل: يا نبي الله هل يأتي الخير بالشر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل يأتي الخير بالشر؟ " فأنزل الله عليه عند ذلك، وكان إذا نزل عليه كرب لذلك، وتربد وجهه، حتى إذا سرى عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " هل يأتي الخير بالشر " يقولها ثلاثا: " إن الخير لا يأتي إلا بالخير "، يقولها ثلاثا. وكان صلى الله عليه وسلم وتر الكلام: ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألم فأما عبد أعطاه الله مالا، فوضعه فى سبيل الله التي افترض وارتضى، فذلك عبد أريد به خير، وعزم له على الخير، وأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في شهواته ولذاته، وعدل عن حق الله عليه، فذلك عبد أريد به شر، وعزم له على شر " .وقوله: {إنه بعباده خبير بصير} يقول تعالى ذكره: إن الله بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار، وغير ذلك من مصالحهم ومضارهم، ذو خبرة، وعلم، بصير بتدبيرهم، وصرفهم فيما فيه صلاحهم.
---***•••***•••***•••***•••***•••***---
في تفسير ابن كثير
وقوله : ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) أي : لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق ، لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض ، أشرا وبطرا .

وقال قتادة : كان يقال : خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك . وذكر قتادة حديث : " إنما أخاف عليكم ما يخرج الله من زهرة الحياة الدنيا " وسؤال السائل : أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث .

وقوله : ( ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ) أي : ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم ، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ، ويفقر من يستحق الفقر . كما جاء في الحديث المروي : " إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه "



ليست هناك تعليقات: