فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما, ثم تولى إلى ظل شجرة فاستظلَّ بها وقال: رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إليَّ مِن أي خير كان, كالطعام. وكان قد اشتد به الجوع.
أيها القلب الحزين : إياك أن تنسى العلي ، كن مثل كليم الرحمن خرج خائفاً سافراً راجلاً ، اخضر جوعاً ، فنادى منكسراً { رَبِّ } ، فحذف ياء النداء { إِنِّي } لتأكيد المسكنة ، ولم يقل أنا ، { لِمَا } لأي شيء { أَنزَلْتَ إِلَيَّ} بصيغة الماضي لشدة يقينه بالإجابة فكأنها تحققت {مِنْ خَيْرٍ فَقِير} [القصص - ٢٤ ] فكان جزاءُ هذا الانكسار التام : أهلا ومالاً ونبوةً وحفظاً .
فَقَالَ في تلك الحالة، مسترزقا ربه رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.
معنى ذلك : أن موسى عليه الصلاة والسلام لما ساعد المرأتين في سقي غنمهما وانصرفتا إلى أهلهما وتولى هو إلى الظل وأحس بالحاجة دعا ربه أن يقضي حاجته ، فقال : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي : ارزقني ما يسد حاجتي من طعام أو غيره ، فيسر الله أمره وجاءته إحدى المرأتين ، وقالت له : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا . . . إلى آخره .
أَنَّ التَّعْرِيضَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا
فَإِنَّهُ شِعَارُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ،
أَلَا تَرَى أَنَّ أَيُّوبَ قَالَ : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ )
فَعَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ ، وَكَذَا مُوسَى عِنْدَ قَوْلِهِ :
( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .