الثلاثاء، 25 مايو 2021

دعاء الوالدين على أبنائهم


الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه رضي الله عنهم 


واما بعد :


جال في خاطري موضوع تربية الأبناء، فوجدت أن الآباء والأمهات حريصون كل الحرص على أن يتربى أبناءهم أحسنالتربية، ولم أجد فيما جال في خاطري من يخالف هذا الأمر، وأظن أن القراء الكرام يوافقوني على هذا.


هذه التربية يخالطها شيء من الأخطاء، البسيطة وربما الكبيرة التي قد تسبب آثارا قاتلة ، يكون لها الأثر البالغ فينفوس الأولاد ، وربما تؤثر بشكل كبير في مستقبلهم وقد*تتعدى إلى الذرية من أبناء وبنات الأولاد .


لا تحسبون أني أبالغ ، فهذه حقيقة سأبينها لاحقا، العجيب أن كل هذا يحصل بحسن نية من الآباء والأمهات ، ولاينتبهون*له إلا بعد فوات الأوان.


وقد استعرضت أنواع العقوبات التي يمارسها الآباء والأمهات في مجتمعنا فوجدتها تتراوح مابين السب والشتم، ثمتتدرج إلى الضرب والإهانة البالغة ، وقد تصل إلى الطرد من البيت، وربما وصل الحال إلى القتل أو قطع بعض الأجزاءمن جسم الولد، ثم تأتي بعد كل هذا عقوبة الدعاء على الأولاد، وأظنها تتربع على رأس القائمة من شدة قسوتها.


إذن ما الفائدة من هذا الأسلوب الرادع، الذي استخدمه الأب.



إخواني الكرام /

هل نحن بحاجة إلى هذه الأساليب ، هل لأنهم ضعفاء لا يجدون من يدافع عنهم بعدك ، أم لأنك الجبار الذي تملك اتخاذأي قرار في حق الأولاد ولن يردعك رادع ، هل نحن نخاف الله في أولادنا ، وهو الذي ينصر المظلوم ولو بعد حين ، وإذاأفلتنا من عقاب اليوم فأين نذهب من عقاب يوم الحساب حينما نحاسب على الصغيرة والكبيرة ، والله لا يظلم الناسولكن الناس أنفسهم يظلمون.


أين يقع الدعاء على الأولاد في هرم العقوبات القاسية :

أنا أتصور أن بعض الأدعية التي يدعو بها الآباء والأمهات على الأبناء اشد فتكا من هذه العقوبات ، قد تختلفون معيومعكم حق، لكن لا تعجلون علي ودعوني اشرح لكم وجهة نظري، وانتم الحكم.


حينما تدعو الأم على ولدها العاق وتقول له : (الله يصيبك )، وهي أسهل أنواع الدعوات التي نسمعها على الأبناء ، معأن معصية الولد قد لاتصل إلى درجة العقوق، وإنما على مسائل تافهة مما يحصل غالبا في البيوت.


إذا صادفت الدعوة ساعة إجابة فتقبلها الله، ومرت الأيام فأصيب الولد بنفسه أو بأولاده أو بماله، بأي مصيبة قدرها اللهعليه، وكان سببها دعوة الأم أو الأب، كم حجم الجناية التي جنت بها على ولدها.


ولو علم الأب أو الأم أن سبب تلك المصيبة هي الدعوة التي دعاها احدهما على الولد، كم ستكون الحسرة والألم فينفوسهما(الرحيمة) ، أنا أتوقع *أنهم لو خيروا قبل الدعاء ، بالتنازل عن أغلى الأموال من اجل سلامة ولدهم ما ترددوا.


ولما تدعو الأم على ولدها بالدعوات المشهورات في مجتمعنا ، وهي حسب ما أسمع بعض الأمهات ، وعلى*سبيل المثال :جعل لك عمى ، نعيتك ، نعيت أبوك ، جعل لك الم ، جعل كسر ، جرحك ، جني شلك ، شلك (بتشديد اللام ، يعني اللهيصيبك بالشلل) ، أجعلك بع ، وغيرها كثير أكيد انتم تسمعون غير هذه الدعوات .


اسمحوا لي أن اسميها : ( دعوات النساء اليافعيات .. على أبنائهن بالكوارث والنكبات ) ، ولا يعني أن غير أهل يافع لايدعون على أبنائهم،*لكن لأني أعالج مشكلة في بلدي اخص نسائها بهذا ، وأتكلم بلهجتهم التي يعرفونها، وإلا فانالكارثة عامة في كل بلد، وقد سمعت من تدعو على أولادها بقولها:*( الله يخرب بيتك) ، (الله يقلعك ويقلع اللي خلفوك) ،كان يوم اسود يوم ما خلفتك ، وغيرها.


*أنا اعتبر أن هذا نوع من التفنن في الدعاء على الأبناء، اخترعه الشيطان وزينه في قلوب الآباء والأمهات ، ضعيفيالإيمان ، قليلي الدين ، حتى تجد ان بعضهم يتفنن في ابتكار أنواع الدعوات التي لم تسبق إليها من قبل ، الله المستعان


وللعلم أن دعاء الأب يكون أكثر جدية من دعاء الأم ، لأنه معروف بصبره وتحمله أكثر من الأم ، ومع ذلك هذا الركن الوثيقأذا بدأ يفقد أعصابه ويدعو على أبنائه ، مهما كانت الأسباب ومهما بلغت الأخطاء، أنه يسبب فعلا كارثة حقيقية تحلعلى هؤلاء المساكين من الأبناء وربما الأطفال الذين يدفعون ثمن طفولتهم البريئة.


مهما بلغ أذاهم بك لا يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة :


كان يأتي الحسن والحسين والنبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي ، فيركب احدهما على ظهره وهو ساجد والمسلمونوراءه سجود، فيطيل السجود ، حتى قال احد الصحابة: فرفعت راسي انظر ما الخبر، فوجدت الصبي على ظهر النبي،ورجعت إلى سجودي، فلما فرغ من سجوده قالوا يا رسول الله هل طالت الصلاة قال: لا*لم تطل، لكن ابني ارتحلني (ركبعلى ظهري مثل الراحلة ) فكرهت أن أعجله.


إشكال :


لما سألنا بعض الأمهات لم تدعين على ابنك ، قالت أنا واثقة أن الله لا يستجيب دعائي في أبنائي، والجواب أن هذا كلامغير صحيح،على إطلاقه، 

*فمن يضمن أن الله لا يجيب الدعاء بل العكس هو الصحيح ، فلو استجيبت دعوة واحدة فقط في العمر كافية بأن تقضيعلى الولد وربما تدمر كل شيء في حياته ، وأبين هذا فيما يلي:


أن هذا مقتضى الابتلاء في هذه الدنيا، فقد كلفنا الله تعالى أن ندعو بالخير ولا ندعو بالشر على الناس جميعا ، ويدخلالأولاد من باب أولى ، قال تعالى : (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، لقد فسرها بالعجلة بمعنىإن الأب أو الأم يريدون تحقيق أمر معين، فلا يحققه الأبناء،*فيكون الحل الشيطاني العاجل هو الدعاء عليهم.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه )أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تدعوا علىأنفسكم و لا تدعوا على أولادكم و لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم *)‌.


وهذا من تمام البلاء والنص واضح ولا يعقل ذلك إلا المؤمنين والمؤمنات الذين علموا حقيقة هذه الدنيا وحقيقة الآخرة ،وان الإنسان محاسب وهناك ثمن سيدفع إن عاجلا أم آجلا ، والأولاد يدفعون ثمن دعائنا عليهم في الدنيا أو في الآخرة.


على الإنسان ذكر أو أنثى أن يحفظ لسانه ويصونه عن الكلام السيئ الذي يخشى عواقبه، وذلك لأنه مكتوب عليه لقولالله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وقال بعض السلف: من علم أن كلامه من عمله؛ قل كلامه إلا فيما يعنيه.


وهكذا أيضًا يتجنب المسلم ذكرا أو أنثى الدعاء على أولاده أو نفسه أو ماله؛ فقد ورد في الحديث الصحيح: لا تدعوا علىأنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافق من الله ساعة، لا يُسأل فيها شيئًا إلا أعطاه فعلى هذه الأم أن تُعوِّدنفسها التحمل والصبر وعدم الدُعاء على أولادها ولو كانت لا تقصد ذلك حقيقة، فعليها أن تُعوِّد لسانها الكلام الطيبفتدعو لهم بالهداية والصلاح والاستقامة.


*ومع ذلك فإن الله سبحانه يعلم ما في قلبها، ولذلك لا يستجيب مثل هذا الدعاء كما قال الله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِالشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ قال بعض المُفسرين: هو قول الرجل لماله إذا غضب اللهم لا تُبارك فيه والعنهـ يعني أنه يدعو على ماله وعلى ولده في حالة الغضب وهو غير صادق ـ فلو استجاب الله دعائه لأهلك ماله وولده،


*ومع ذلك فقد يقع هذا الدعاء في أوقات الإجابة فيندم ذلك الإنسان ويتمنى أنه ما دعا على أولاده ولكن بعد فوات الأوانوالله أعلم.


الدعوة قد يستجاب لها وقد لا يستجاب ، فلماذا المغامرة بمستقبل أولادنا وفلذات أكبادنا ، هل يصعب علينا أن نغيرعاداتنا، أم أن الشيطان والهوى هو الذي يتحكم بتصرفاتنا.


فأوصي نفسي وإخواني وأهلي ومن بلغه هذا باجتناب هذا الأمر الخطير، فقد يصادف ساعة إجابة فيقبل الدعاء ، ولولافضل الله ورحمته لهلكنا وهلك الأولاد جميعا من كثرة من يدعو عليهم من أبائهم وأمهاتهم ، والله المستعان


والظالم دعوته مردودة عليه، فالإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى وإنما عند الله لا يطلب إلا بطاعته.


طالما لم يصدر من الأبناء تقصير أو عقوق تجاهها فإن عملها يعد محرما في الشرع وهي آثمة لأنها معتدية بغير حقومضيعة للأمانة التي ائتمنت عليها، فدعاء الظالم لغو لا حرمة له في الشرع ولا يستجيب الله لدعائها لأنه دعاء بالإثموالقطيعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة".


وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن هذا الدعاء يعتبر اعتداءً في الشرع وقد نهى الله عن ذلك فقال تعالى: "ادْعُواْرَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، وقد ورد في السنة النهي عن ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدعواعلى أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيهاعطاء فيستجاب لكم"، رواه أبو داود


وأشار إلى أنه لا يصح للإنسان أن يكون ظالمًا ومعتديا وآثما ويدعو الله، قائلًا: "فلا تخافوا من دعوات والدتكما فهىدعوة جائرة ليس لها وجه حق".


دعاء الأم على ابنها أمر في غاية الخطورة، وهو مظنة الإجابة، والواجب على هذه البنت أن تحقق رضاها ما استطاعتإلى ذلك سبيلا، ما دام أنه غير محرم شرعا".


وأستدل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال يستجابللعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".


بركة دعاء الأم إنما تصحب الإنسان طوال حياته، وتكون بابًا واسعًا لرحمة الله به يوم القيامة، بل تمتد إلى بركة في دعاءالولد البار.


وإن البار بوالديه حق البر مستجاب الدعوة، مستدلًا بقصة أويس بن عامرٍ التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه.



الإنسان البار بوالديه يظل بارا بهما معترفا بفضلهما مكرما من كانا يكرمان طول حياته، فعن عبد الله بن دينار عن ابنعمر رضي الله عنهما أنه كان إذا خرج إلى مكة كانت له دابة يتروح عليها إذا مل ركوب الراحلة، وعمامة يشد بها رأسه،فبينما هو يوما على هذه الدابة إذ مر به أعرابي فقال: ألست فلان بن فلان قال : بلى فأعطاه الدابة وقال اركب هذه،والعمامة، وقال: اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر اللَّه لكأعطيت هذا الأعرابي دابة كنت تروح عليها،وعمامة كنت تشد بها رأسك، فقال: إني سمعت رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّميقول: «إن من أبر البر صلة الرجل أهلود أبيه بعد أن يولي» وإن أبا هذا كان ودا أي صديقا لعمر "رَضِيَ اللهُ عَنْهُ".




واستدل بما رواه مسلم، أنه كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنهإِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمنِ سأَلَهُمْ: «أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُعَامِرٍ؟حتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ -رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ أُوَيْس بْنُ عامِرٍ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟قَالَ:نعَمْ، قَالَ: "فكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِئْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "لَكَ والِدَةٌ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه-صلى الله عليه وسلميقول: يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُإِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لي"، فَاسْتَغْفَرَلَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: "أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلى عَامِلهَا؟قَالَ: أَكُونُ في غَبْراءِ النَّاسِ أَحبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَمِنَ العَامِ المُقبل حجَّ رجلٌ من أشرافهم، فوافى عُمَرَ، فَسَألَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ البيت، قليل المتاع، قالَ: "سَمِعتُرَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلميقول: يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادٍ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ،ثُمَّ مِنْ قَرَنٍكَانَ بِهِبَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُفَإنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ"، فَأتَىأُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُالنَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ» رواه مسلم.


وأوضح أن في كلام النبي -صلى الله عليه وسلمإشارة إلى أن استجابة الله -عز وجللدعاء أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ كان بسبببره أمه.


فينبغي أن تحفظ لسانك وأن تؤكد على من تعلمه يتعاطى هذا الأمر بأن يحفظ لسانه وبأن يتقي الله في ذلك حتى لايدعو على ولده ولا على غيره من المسلمين بل يدعو لهم بالخير ويدعو لهم بالسداد والاستقامة لا بالدعاء عليهم بمايضرهم، والله المستعان





الأبناء من زينة الحياة الدنيا ، كما قال الله تعالى : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الكهف/46 .


وهم قرة عين الوالدين ، وفلذة كبدهما ، فكيف يدعوان عليهم !!


وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس ، خشية أن يوافق ساعة إجابة ، فقال صلىالله عليه وسلم : ( لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُفِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) رواه مسلم (3014) .


ودعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُالْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ) رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديثالصحيحة(596) . ولفظ الإمام أحمد (7197) : ( وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ) .


فمن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الأباء والأمهات أنهم يدعون على أولادهم إذا حصل منهم ما يغضبهم ، والذي ينبغيهو الدعاء لهم بالهداية وأن يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم .


ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر ، وذلك لقوله تعالى :( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )يونس/11 .


يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم ، أو أموالهم ، أو أولادهم ؛ في حالضجرهم ، وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاًورحمة ، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم , أو لأموالهم , أو لأولادهم , بالخير والبركة والنماء " 


لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم


لا شك أن الوالد يُحب أولاده محبة طبيعية، وهكذا الأولاد يحبون آبائهم، فمتى كانوا صالحين فالدعاء لهم لأجل صلاحهمواستقامتهم ولأجل محبتهم وقرابتهم ولكن قد يصدر من الأبناء ما يُسبب إثارة الغضب فيدعو الوالد على ولده، وتلكالدعوة لها خطرها، ويُخاف أنها تُقبل منه مع أنه قد يكون كارهًا لما تتضمنه، وقد ورد في الحديث: لا تدعوا على أنفسكم،ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافق من الله ساعة، لا يُسأل فيها شيئًا إلا أعطاه وقد قال بعض المفسرين من السلففي قول الله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ قالوا: إنه قول الرجل لماله إذاغضب اللهم لا تبارك فيه والعنه، ثم إنه يندم بعد قليل، فلذلك لا يجوز التسرع بالدعاء على الأموال والأولاد والأنفس . ,


"وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا(الإسراء: 11 )




(يَدْعُ) الدعاء: طلَب ما تعجز عنه من قادر عليه.



وأهل النحو يقولونإن الفعل: ماضٍ ومضارع وأمرفالأمر: طَلَبٌ من الأعلى إلى الأدنى، فكلّ طلب من الله لخلْقه فهو أمر،أو من الأعلى من البشر للأدنىأما إنْ كان الطلب من مُسَاوٍ لك فهو التماس أو رجاءفإنْ كان الطلب من الأدنى للأعلى،كطلب العبد من ربه فهو دعاء.



لذلك نجد التدقيق في الإعراب يحفظ لله تعالى مكانته ويُعظّمه، فنقول للطالب: أعرب: رب اغفر لي، فيقول: اغفر، فِعْل دالّعلى الدعاء، لأنه لا يجوز في حَقِّ الموْلَى تبارك وتعالى أن نقول: فعل أمر، فالله لا يأمره أحد.



فأوَّل ما يُفهم من الدعاء أنه دَلَّ على صفة العجز والضعف في العبد، وأنه قد اندكتْ فيه ثورة الغرور، فعَلِم أنه لا يقدر علىهذا إلا الله فتوجه إليه بالدعاء.



(بِالشَّرِّ) بالمكروه، والإنسان لا يدعو على نفسه، أو على ولده، أو على ماله بالشر إلا في حالة الحنَق والغضب وضيقالأخلاق، الذي يُخرِج الإنسان عن طبيعته، ويُفقِده التمييز، فيتسرّع في الدعاء بالشر، ويتمنى أن يُنّفذ الله له مَا دعا به.



ومن رحمة الله تعالى بعباده ألاَّ يستجيب لهم هذا الدعاء الذي إنْ دلَّ فإنما يدل على حُمْق وغباء من العبد.



وكثيراً ما نسمع أماً تدعو على ولدها بما لو استجاب الله له لكانت قاصمة الظهر لها، أو نسمع أباً يدعو على ولده أوعلى ماله، إذن: فمن رحمة الله بنا أنْ يفوت لنا هذا الحمق، ولا يُنفّذ لنا ما تعجّلناه من دُعاءٍ بالشرقال تعالى:



وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [يونس: 11] أي: لو استجاب الله لهم في دعائهمبالشر لكانت نهايتهم.



وإن كنت تُسَرّ وتسعد بأن ربك سبحانه وتعالى فوّتَ لك دعوة بالشر فلم يَسْتجب لها، وأن لعدم استجابته سبحانه حكمةًبالغةً.



فاعلم أن لله حكمة أيضاً حينما لا يستجيب لك في دعوة الخير، فلا تقُلْ: دعوتُ فلم يستجِبْ لي، واعلم أن لله حكمة في أنيمنعك خيراً تُريده، ولعله لو أعطاك هذا الخير لكان وبالاً عليك.



إذن: عليك أن تقيسَ الأمريْن بمقياس واحد، وترضى بأمر الله في دعائك بالخير، كما رضيت بأمره حين صرف عنك دعاءالشر، ولم يستجب لك فيهفكما أن له سبحانه حكمة في الأولى، فلَه حكمة في الثانية.



وقد دعا الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، فقالوا: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَفَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ.. } [الأنفال: 32]



وقالوا: { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً.. } [الإسراء: 92]



ولو استجاب الله لهم هذا الدعاء لَقَضى عليهم، وقطع دابرهم، لكن لله تعالى حكمة في تفويت هذا الدعاء لهؤلاء الحَمْقى،وها هم الكفار باقون حتى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.وكان المنتظر منهم أن يقولوا: اللهم إنْ كان هذا هو الحقّ منعندك فاهْدنا إليه، لكن المسألة عندهم ليست مسألة كفر وإيمان، بل مسألة كراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء به،بدليل أنهم قَبلوا الموت في سبيل الكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.



ومن طبيعة الإنسان العجلة والتسرُّع، كما قال تعالى: { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَٰتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [الأنبياء: 37] فكثيراً ما يدعو الإنسان بالخير لنفسه أو بما يراه خيراً، فلا يجد وراءه إلا الشر والتعب والشقاء، وفيالمقابل قد يُنزل الله بك ما تظنه شراً، ويسوق الله الخير من خلاله.



إذن: أنت لا تعلم وَجْه الخير على حقيقته، فدع الأمر لربك عز وجل، واجعل حظك من دعائك لا أنْ تُجابَ إلى ما دعوت،ولكن أن تظهر ضراعة عبوديتك لِعزّة ربك سبحانه وتعالى.



ومعنى: { دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ.. } [الإسراء: 11] أي: أن الإنسان يدعو بالشر في إلحاح، وكأنه يدعو بخير.



دعاء الأم على ابنها أمر في غاية الخطورة، وهو مظنة الإجابة، والواجب على هذه البنت أن تحقق رضاها ما استطاعتإلى ذلك سبيلا، ما دام أنه غير محرم شرعا".



أن يحسن إلى والديه ويبرهما ، فإن فعل ذلك، فلا يضره دعاؤها عليها؛ لأنه اعتداء منها في الدعاء وهو غير مقبول.



واستدل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال يستجابللعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".



إن الظالم دعوته مردودة عليه، فالإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى وإنما عند الله لا يطلب إلا بطاعته.



طالما لم يصدر من الأبناء تقصير أو عقوق تجاهها فإن عملها يعد محرما في الشرع وهي آثمة لأنها معتدية بغير حقومضيعة للأمانة التي ائتمنت عليها، فدعاء الظالم لغو لا حرمة له في الشرع ولا يستجيب الله لدعائها لأنه دعاء بالإثموالقطيعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة".



وأن هذا الدعاء يعتبر اعتداءً في الشرع وقد نهى الله عن ذلك فقال تعالى: "ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّالْمُعْتَدِينَ"، وقد ورد في السنة النهي عن ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا علىأولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم"، رواه أبوداود.



وأشار إلى أنه لا يصح للإنسان أن يكون ظالمًا ومعتديا وآثما ويدعو الله، قائلًا: "فلا تخافوا من دعوات والدتكما فهىدعوة جائرة ليس لها وجه حق".

الجواب: يخشى من الاستجابة، ينبغي الحذر، ينبغي أن لا تدعي عليهم إلا بالخير، فاحذري الدعاء عليهم بالشر،جاهدي النفس لا بد من جهاد حتى يكون الدعاء طيباً لا سيئاً وأبشري بالخير، لا بد من الصبر ولا بد من جهاد النفسحتى يكون الدعاء طيباً لا ضاراً،



أما الدعاء فإن كان بِحَقّ فهو أقرب إلى الإجابة.

وعلى الوالدين الحذر مِن الدعاء على أولادهم ، فقد نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد ، فقال : لاتدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا تُوافِقُوا مِن الله ساعة يُسأل فيها عَطاء فيَستجيبلكم . رواه مسلم .


وعلى الأم أن تصبر على ابنها ، خاصة في هذا السنّ ، الذي هو سِنّ المراهقة ، فقد تصيبه الدعوة بِضرّ أو بِشَرّ ، يضرّبِدنياه ، وربما نالها الأذى بسبب دعوتها ؛ فتندم طيلة عمرها . 


وعلى الأبناء مُراعاة والديهم خشية أن تُصيبهم دعوة تُفسد عليهم دُنياهم ، وربما آخرتهم .



الدعاء على الأولاد والبنات … من أقسى أنواع العقوبات



وسمعت قصة يقول فيها ما معناه :أن رجلا عاقب ابنه بعقوبة كانت نتائجها فضيعة على الابن.


لقد اشترى الوالد فرشا جديدا لمجلس البيت*، وبرعونة الأطفال الصغار، اخذ الولد سكينا وقام يقطع في هذا الفرش ، انهلا يعقل العواقب، بل انه يظن أن الأب والأم هم الذين يحسبون العواقب، أفضل من الأولاد ، *مع الأسف كان الوالد أيضااشد قصرا في حساب العواقب من هذا الطفل.


لما رأى الأب هذا المشهد غضب غضبا شديد وفكر في أقسى عقوبة، فقرر أن يربط يديه ورجليه بشدة ويمنع عنه الأكلوالشرب إلا حين ، وقال للام إن أطلقت سراحه فأنت طالق.


صرخ الولد مستغيثا من الألم وطال صراخه وعويله ، لكن الوالد الغاضب يتعامى عن صراخه، وإلام يتقطع قلبها حسرةعلى ولدها مهما كانت خطيئته، لكنها مغلوب على أمرها إنها بين خيارين أحلاهما مر، فاستسهلت السكوت والصبرحتى يفرج الله الأمر.


وبعد طول صراخ سكت الولد، وطال سكوته والأب الغاضب لم يعر لسكوت الولد اهتماما، *لكن الأم ذهبت لتنظر الولدفرأت أمرا مفزعا، رأت أن أطراف الولد قد تغيرت إلى اللون الأزرق وقد تخثر الدم فيها، فصرخت تستغيث بالوالد الغاضب، الذي ظهر عليه الذعر فجأة، وقرر على الفور فك قيوده ونقله إلى المستشفى.


فجاء تقرير الأطباء مخيبا لآمال الأب الرحيم القاسي، لقد قرر الأطباء دون تأخير بتر الأطراف الأربعة للولد لأنها تسممتوإذا تأخروا قليلا سوف ينتشر التسمم إلى باقي الأعضاء فتكون العواقب وخيمة.


تعرفون أن الوالد وقع على عملية البتر وهو يبكي ولم يستطع أن يتمالك دموعه، لان هذا اقرب الحلول المتاحة لسلامةولده الحبيب.


ولما خرج الولد من غرفة العمليات وعاد إليه وعيه، نظر فإذا هو فاقد الكفين والقدمين، فرفع رأسه إلى أبيه الحزين ، وقال لهببراءة الأطفال : أبي أعد إلي إطرافي ولن اكرر خطأي أبدا .


واني اعرف رجلا اختلف مع ولده ، وبلغ الخلاف مداه، إلى أن قرر الأب أن يستخدم أقسى يردع هذا الابن العاق ، وهو أنيقضي عليه بالقتل ، وفعلا أطلق عليه النار على مرأى ومسمع من الناس، لم يكون الولد يتصور أن يصل الحال بالولدإلى هذه الدرجة، صحيح انه كان عاقا وكان يقسو أحيانا على أبيه لكنه لم يخطر له ببال أن يشهر البندقية في وجههيوما من الأيام، حينما أطلق عليه الرصاصة الأولى أصابت ذراعه ، فانهار الابن لما رأى أن الأمر جد، فسقط بين أرجل الأبالهائج يستغيث به أن لا يكرر إطلاق النار، لكن الأب كان قد اتخذ قرارا لا رجعة فيه، فافرغ المخزن (كله )في جسد ابنهالشاب ، حتى تمزقت أوصاله وتناثرت أشلاؤه.


تظنون أن الوالد استراح بعد هذه الحادثة ، يخبرنا من نقل الخبر أن الوالد أيضا لم يكن يتصوران يحصل ما حصل ،وقيل انه كان يتذكر ما حدث ويبكي بكاء حارا، وقيل انه كان لا يجد لنفسه جزاء إلا أن يضرب رأسه بجدار السجن، أتصورانه كان يتمنى أن لم يحدث هذا، وانه كان سيبذل كل ماله لشخص منعه من هذا الأمر، ولو بالقوة، لكنه القدر وقد فاتالأوان.



لا ينبغي للمؤمن أن يدعو على أولاده بل ينبغي له أن يحذر ذلك؛ لأنه قديوافق ساعة إجابة فينبغي له أن لا يدعو عليهم وإذا كانوا صالحين كانالأمر أشد في تحريم الدعاء عليهم، أما إذا كانوا مقصرين فينبغي لهأيضًا أن لا يدعو عليهم بل يدعو لهم بالهداية والصلاح والتوفيق، هكذاينبغي للمؤمن، وقد جاءت النصوص عن النبي  تحذر من دعاءالإنسان على ولده أو على أهله أو على ماله؛ لئلا يصادف ساعة إجابةفيضر نفسه ويضر أهله ويضر ولده


(⌒⃝⌒⃝)•̩̩͙*˚⁺‧͙⁺˚*•̩̩͙•̩̩͙*˚⁺‧͙·͙⁺˚*•̩̩͙•̩̩͙*˚⁺‧͙⁺˚*•̩̩͙(⌒⃝⌒⃝)



يجب تقرب الابناء للوالدين وبرهما حتى لو كانوا ويكرهونك ويهينونكويتمنون لك الشر 



فالنفسُ البشريةُ جُبِلَتْ على حبِّ مَن يُحْسِن إليها، وبُغْضِ مَنْ يُسيء إليهاوالبِرُّ لا يعني أن نرغمَ قلوبنا على المودَّة، أونُكرهها على محبة مَن لم ترَ منه إلا الظُّلْم، ولم تَذُقْ معه إلا البَطْش!

 

لن يسألك الله عن قدر محبتكِ لوالديك ، ولن يُعاقبك على شعورك بالنفور والرغبة عنهاولن يحاسبك على تجنُّبها واتِّقاءمجالستها؛ خوفًا مِن حدوث مشكلة، أو نشوب حرب أو تطاولها عليكولن يسألك عن أعمالها أو سوء خُلقهاإلا أنتنصحي ما استطعتِ إلى ذلك سبيلًافإن لم تجدي للنُّصْح مِن سبيلأو تبيَّن لك أنه سيُسْفِر عن ضررٍ أكبر، أو يُدخلكفي دائرة العقوقفلا أقل مِن الدعاء لها بالهداية وصلاح الحال.

 

ولك في خليل الله إبراهيم - عليه السلام - خيرُ أُسوة؛ فقد كان والدُه كافرًاويتوعَّده أشد الوعيد؛ ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْآلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا  [مريم: 46], فما كان جوابُه على تلك القسوة وهذا البطش إلا أنقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا  [مريم: 47], فتجنَّبي مُواجهتها بقولٍ أو فِعْلٍ يُبشِّر باستثارةغضبها، ويُنذر بإشعال جمرته.

 

أيتها العزيزةتسألين عن كيفية بِرِّها وهي لا تعينك عليهبل تعينك بكلِّ ما تفعل على العقوق وتوجهك نحوه؟

 

وأقول لك: اعلمي أن الله الذي يعلم الجَلي والخفي يُعامل كلَّ عبدٍ مِن عبيدِه بحكمة عاليةوعدل تامٍّوإنصاف لا مثيل له.

 

ورد في حديث العمرة أنَّ عائشة - رضي الله عنها - قالتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: أيصدر الناس بنُسكينوأصدر بنسك؟ فقال: ((... ولكنها على قدْر نفقتك أو نصَبك))فليس الأجرُ في العبادة مُتساويًا في جميع الأحوالوهلتظنين أنَّ الذي رُزق بوالدٍ أو والدة يظلمه ويبطش به ويؤذيه، ثم هو يبرُّه كأنه لم يُصبْ منه بمكروهٍكمَنْ رُزق بوالدٍ يحنوعليه، ويدعو له، ويعينه على الرضا؟

 

الأول يجد مِن المشقَّة، ويَبْذُل مِن المجاهدة ما لم يفعلْ غيرهفيجمع الله له مِن أجر البر والصبر على الأذى والمجاهدة ما لايكون لغيرهوذلك فَضْلُ الله تعالى يُؤتيه مَن يشاءفلا تجعلي مِن سُوء تعامُلها وقسوتها مانعًا لك عن البر، وصارفًا عنتحصيل أجره والانتفاع به في الدنيا والآخرة.

 

أُحذِّرك مِن التسرُّع في قَبول الخاطب غير الكفْءِ هرَبًا مِن كلمات قاسيةٍ، أو عبارات لاذعةٍ، أو اتهاماتٍ باطلةٍفالزواجُ مِنتارك الصلاة لن يُقاسي عذابه غيركولن يُكابد جحيمه سواكولن تري حرب والدتك حينها إلا هيِّنة، إذا ما قُورِنَتْبالحياة مع رجلٍ لا يتقي الله، ولا يتخلَّق بخُلُق الإسلاموإنِ اشتدَّ غضبُ الوالدة وتحجَّر قلبُها فستبقى فيه نبضاتٌتخفق بحبِّ ابنتهامهما بلغتْ مِن عنفٍ أو جبروت!

 

أما الزوجُ الفاسقُ، والرجلُ العاصي، فلن يتورَّع عن إيذاء فتاةٍ لا يحمل له قلبها من العاطفة شيئًاومَن لا يعرف كيف يعبدربه لن يعرفَ للتقوى طريقًا، ولن يُدركَ مِن معاني حُسْن المعاشَرة شيئًاوأشُد على يديك في فَسْخ خطبة مَن تبين لك مِنأخلاقه ودينه ما يُنذر بحياةٍ بائسة لا تحمل مِن معاني الزواج السامية وأهدافه الراقية شيئًا.

 

فسِيري على ما أنتِ عليه مِن صبرٍولا تذْكري والدتك لأحد بسوءٍ؛ فذلك مِن الغيبةوتحمَّلي مِن أفعالها ما سيكون سبيلكإلى الجنَّة - بإذن الله - وطريقك إلى سعادة الدنيا والآخرة؛ فعن أبي عمرو الشيباني قال: حدَّثنا صاحبُ هذه الداروأشارإلى دار عبدالله قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قلت: ثمأي؟ قال: ((بر الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني!

 

والصبرُ على أذى الوالد مِن أعظم البر بهوتذكَّري ألا يعلو صوتك في حضرتها حين تهاجمك بقولٍ أو فعلٍوتسلَّحيبالذِّكر والاستغفار؛ لئلا تقعي في عقوقها في تلك اللحظات التي قد ينفذ الشيطان إلى قلبك خلالها؛ ليقْتَنِصَها ويدخلكفي دائرة العقوق.

 

حاولي أيضًا التقرُّب إليها بما ترجين به إسعادها، وإدخال السرور على قلبها، ولو لم تشكر أو تُبدِ عِرفانًافليس المقصودُأن يَتَبَدَّل حالهاوإنما المقصود مُقابلة كل ما تفعله معك مِن شرٍّ بالخير والمسامحة والصبر الجميل؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَصَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَىالدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْبِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ  [الرعد: 22 - 24], وأَوْلى الناس بهذا الخُلُق الكريم وتلك الآداب الرفيعة الوالدة والوالدأعانك اللهُ على بِرِّها، ودفَع عنك غضبَها، وأَلَانَ قلبَها.

 

وَالله المُوَفِّق، وهو الهادِي إلى سَواء السبيل