السبت، 25 فبراير 2023

النعمان بن المنذر ووفود العرب على كسرى افتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم شبكة البصرة

 

﷽ 




قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم وبلادهم فافتخر النعمان بالعربوفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها فقال كسرى واخذته عزة الملك: يانعمان لقد فكرت في أمر العربوغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم علي من وفود الأمم فوجدت للروم حظا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرةمدائنها ووثيق بنيانها وان لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها ورأيت الهند نحوا من ذلك فيحكمتها وطبها مع كثرة انهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها وقيق حسابها وكثرة عددها وكذلك الصينفي اجتماعها وكثرة صناعات ايديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وان لها ملكا يجمعها والتركوالخزر علة ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وماهو رأس عمارة الدنيا من المساكنوالملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر امرهم ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوةومع ان مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلوناولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتهافافضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الابل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وان قرى أحدهمضيفا عدها مكرمة.

وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك اشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما خلا هذه التنوخية التي اسس جدي اجتماعهاوشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك الى يومنا هذا وان لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وامورا تشبهبعض امور الناس يعني اليمن ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدواان تنزلوا فوق مراتب الناس.

 

قال النعمان: اصلح الله الملك حق لأمة الملك منها أن يسمو أفضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها الا ان عندي جوابا في كلما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له فان امنني من غضبه نطقت به قال: كسرى قل فأنت آمن

 

خطبة النعمان بن المنذر

قال النعمان: اما امتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها واحلامها وبسطة محلهاوبحبوحة عزها وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك واما الأمم التي ذكرت فاي أمة تقرنها بالعرب الا فضلتها.

قال كسرى: بماذا قال النعمان: بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتهاووفائها فأما عزها ومنعتها فانها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامعولم ينلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الارض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر اذ غيرها منالأمم انما عزها من الحجارة والطين وجزائر البحور واما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهممن الهند المنحرفة والصين المنحفة والروم والترك المشوهة المقشرة.

وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم الا وقد جهلت آباءها واصولها وكثيرا من أولها حتى إن احدهم ليسأل عمنوراء أبيه ذنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب الا يسمى آباءه ابا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا بهأنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب الى غير نسبه ولا يدعى الى غير أبيه واما سخاؤها فإن ادناهم رجلاالذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزي بالشربةفيعقرها له ويرضى ان يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الاحدوثة وطيب الذكر واما حكمة ألسنتهم فان الله تعالىأعطاهم في اشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم الأشياء وضربهم للأمثال وابلاغهم في الصفاتما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم افضل الخيل ونساؤهم اعف النساء ولباسهم افضل اللباس ومعادنهم الذهبوالفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر وأما دينها وشريعتهافانهم متمسكون به حتى يبلغ احدهم من نسكه بدينه ان لهم اشهر حرما وبلدا محرما وبيتا محجوجا ينسكون فيهمناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل ابيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثاره وادراك رغمه منه فيحجزه كرمهويمنعه دينه عن تناوله بأذى.

وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الايماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها الا خروج نفسه وان احدهم يرفع عودا منالارض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وان احدهم ليبلغه ان رجلا استجار به وعسى ان يكون نائيا عنداره فيصاب فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي اصابته او تفنى قبيلته لما اخفر من جواره وانه ليلجأ اليهم المجرمالمحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون انفسهم دون نفسه واموالهم دون ماله واما قولك ايها الملك يئدون اولادهم فانمايفعله من يفعله منهم بالاناث انفة من العار وغيرة من الأزواج واما قولك ان افضل طعامهم لحوم الابل على ما وصفت منهافما تركوا مادونها الا احتقارا لها فعمدوا الى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع انها اكثر البهائم شحوماوأطيبها لحوما وارقها ألبانا واقلها غائلة واحلاها مضغة وانه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها الا استبانفضلها عليه واما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فانما يفعل ذلك من يفعله منالأمم اذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها اليها بالزحف وانه انما يكون في المملكة العظيمة اهل بيت واحديعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون اليهم امورهم وينقادون لهم بأزمتهم واما العرب فان ذلك كثير فيهم حتى لقدحاولوا ان يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من اداء الخراج والوطث بالعسف.

وأما اليمن التي وصفها الملك فانما أتى جد الملك اليها الذي أتاه عند غلبة الجيش له على ملك متسق وامر مجتمع فأتاهمسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال الى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرارمنغلبة العبيد الأشرار.

فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال انك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل اقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه الىموضعه من الحيرة فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين امرهم بعثالى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين والى الحرث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين والى خالد بن جعفروعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين والى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والحارث بنظالم المري فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب وقد سمعت من كسرى مقالاتتخوفت ان يكون لها غور او يكون انما اظهرها لأمر اراد ان يتخذ به العرب خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج اليهكما يفعل بملوك الأمم الذين حوله فاقتص عليهم مقالات كسرى ومارد عليه فقالوا ايها الملك وفقك الله ما أحسن ما رددتوأبلغ ما حجته به فمرنا بأمرك وادعنا الى ما شئت قال انما انا رجل منكم وانما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوف منناحيتكم وليس شيء احب الي من ما سدد الله به أمركم واصلح به شأنكم وادام به عزكم والرأي أن تسيروا بجماعتكم ايهاالرهط وتنطلقوا الى كسرى فاذا دخلتم نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم ان العرب على غير ما ظن او حدثته نفسه ولاينطق رجل منكم بما يغضبه فانه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه ولا تنخزلوا له انخزال الخاضعالذليل وليكن أمر بين ذلك تظهر به وثاقة حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم اخطاركم وليكن اول من يبدأ منكم بالكلام أكثم ابنصيفي ثم تتابعوا على الأمر من منازلكم التي وضعتكم بها فانما دعاني الى التقدمة اليكم علمي بميل كل رجل منكم الىالتقدم قبل صاحبه فلا يكونن ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا فانه ملك مترف وقادر مسلط ثم دعا لهم بما في خزائنه منطرائف حلل الملوك كل رجل منهم حلة وعممه عمامة وختمه بياقوته وامر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة وكتبمعهم كتابا أما بعد فان الملك القى الي من أمر العرب ما قد علم واجبته بما قد فهم مما احببت ان يكون منه على علم ولايتلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها في شيء من الأمورالتي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة وقد أوفدت ايها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وانسابهموعقولهم وآدابهم فليسمع الملك وليغمض عن جفاء ان ظهر من منطقهم وليكرمني باكرامهم وتعجيل سراحهم وقد نسبتهمفي أسفل كتابي هذا الى عشائرهم فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن فدفعوا اليه كتاب النعمانفقرأه وامر بانزالهم الى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم فلما ان كان بعد ذلك بايام امر مرازبته ووجوه اهل مملكتهفحضروا وجلسوا على كراسي عن يمينه وشماله ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في كتابه واقامالترجمان ليؤدي اليه كلامهم ثم اذن لهم في الكلام.

 

فقام اكثم بن صيفي فقال: ان افضل الأشياء اعاليها واعلى الرجال ملوكها وافضل الملوك اعمها نفعا وخير الأزمنةاخصبها وافضل الخطباء اصدقها الصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطئآفة الرأي الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الأمور الصبر حسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة اصلاح فساد الرعية خيرمن اصلاح فساد الراعي من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء شر البلاد بلاد لا امير بها شر الملوك من خافه البرئ المرءيعجز لا المحالة افضل الاولاد البررة خير الاعوام من لم يراء بالنصيحة احق الجنود بالنصر من حسنت سريرته يكفيك منالزاد ما بلغك المحل حسبك من شر سماعه الصمت حكم وقليل فاعله البلاغة الايجاز من شدد نفر ومن تراخى تألف فتعجبكسرى من أكثم ثم قال ويحك ياأكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك كلامك في غير موضعه قال اكثم الصدق ينبئ عنكلا الوعيد.

قال كسرى: لو لم يكن للعرب غيرك لكفى قال اكثم رب قول انفذ من وصول.

 

ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال: ورى زندك وعلت يدك وهيب سلطانك ان العرب أمة قد غلظت اكبادها واستحصدتمرتها ومنعت درتها وهي لك وامقة ما تألفتها مسترسلة ما لاينتها سامعة ما سامحتها وهي العلقم مرارة والصابغضاضة والعسل حلاوة والماء الزلال سلاسة نحن وفودها اليك وألسنتها لديك ذمتنا محفوظة وأحسابنا ممنوعةوعشائرنا فينا سامعة مطيعة إن نؤب لك حامدين خيرا فلك بذلك عموم محمدتنا وان نذم لم نخص بالذم دونها.

قال كسرى: ياحاجب ما اشبه حجر التلال بألوان صخرها قال حاجب بل زئير الأسد بصولتهاقال: كسرى وذلك..

 

ثم قام الحارث بن عباد البكري فقال: دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظها وعلو سنائها من طال رشاؤه كثر متحه ومنذهب ماله قل منحه تناقل الأقاويل يعرف اللب وهذا مقام سيوجف بما ينطق به الركب وتعرف به كنه حالنا العجم والعربونحن جيرانك الأدنون واعوانك المعينون خيولنا جمة وجيوشنا فخمة إن استنجدتنا فغير ربض وإن استطرقتنا فغيرجهض وان طلبتنا فغير غمض لا ننثني لذعر ولا نتنكر لدهر رماحنا طوال واعمارنا قصار.

قال كسرى: أنفس عزيزة وأمة ضعيفة قال الحارث ايها الملك وانى يكون لضعيف عزة أو لصغير مرةقال كسرى: لو قصرعمرك لم تستول على لسانك نفسك قال الحارث ايها الملك ان الفارس اذا حمل نفسه على الكتيبة مغررا بنفسه على الموتفهي منية استقبلها وجنان استدبرها والعرب تعلم اني ابعث الحرب قدما وأحبسها وهي تصرف بها حتى اذا جاشتنارها وسعرت لظاها وكشفت عن ساقها جعلت مقادها رمحي وبرقها سيفي ورعدها زئيري ولم اقصر عن خوضخضخاضها حتى أنغمس في غمرات لججها وأكون فلكا لفرساني الى بحبوحة كبشها فأستمطرها دما وأترك حماتهاجزر السباع وكل نسر قشعم.

ثم قال كسرى: لمن حضره من العرب أكذلك هو قالوا فعاله انطق من لسانه قال كسرى: مارأيت كاليوم وفدا أحشد ولا شهوداأوفد.

 

ثم قام عمرو بن الشريد السلمي فقال: أيها الملك نعم بالك ودام في السرور حالك ان عاقبة الكلام متدبرة واشكال الامورمعتبرة وفي كثير ثقلة وفي قليل بلغة وفي الملوك سورة العز وهذا منطق له ما بعده شرف فيه من شرف وخمل فيه من خمللم نأت لضيمك ولم نفد لسخطك ولم نتعرض لرفدك ان في اموالنا منتقدا وعلى عزنا معتمدا ان اورينا نارا أثقبنا وان اوددهر بنا اعتدلنا الا انا مع هذا لجوارك حافظون ولمن رامك كافحون حتى يحمد الصدر ويستطاب الخبر.

قال كسرى: ما يقوم قصد منطقك بافراطك ولا مدحك بذمكقال عمرو: كفى بقليل قصدي هاديا وبأيسر افراطي مخبرا ولميلم من غربت نفسه عما يعلم ورضى من القصد بما بلغ.

قال كسرى: ما كل ما يعرف المرء ينطق به أجلس.

 

ثم قال خالد بن جعفر الكلابي فقال: احضر الله الملك اسعادا وارشده ارشادا ان لكل منطق فرصة ولكل حاجة غصة وعيالمنطق اشد من عي السكوت وعثار القول انكأ من عثار الوعث وما فرصة المنطق عندنا الا بما نهوى وغصة المنطق بما لانهوى غير مستساغة وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعي انني له مطيق أحب الي من تكلفي ما اتخوف ويتخوفمني وقد اوفدنا اليك ملكنا النعمان وهو لك من خير الأعوان ونعم حامل المعروف والاحسان أنفسنا بالطاعة لك باخعةورقابنا بالنصيحة خاصعة وايدينا لك بالوفاء رهينة.

قال له كسرى: نطقت بعقل وسموت بفضل وعلوت بنبل.

 

ثم قام علقمة بن علاثة العامري فقال: نهجت لك سبل الرشاد وخضعت لك رقاب العباد ان للأقاويل مناهج وللآراء موالجوللعويص مخارج وخير القول اصدقه وافضل الطلب انجحه انا وان كانت المحبة احضرتنا والوفادة قربتنا فليس منحضرك منا بأفضل ممن عزب عنك بل لو قست كل رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا لوجدت له في آبائه دنيا اندادا واكفاءكلهم الى الفضل منسوب وبالشرف والسؤدد موصوف وبالرأي الفاضل والأدب النافذ معروف يحمي حماه ويروي نداماهويذود اعداه لاتخمد ناره ولا يحترز منه جاره أيها الملك من يبل العرب يعرف فضلهم فاصطنع العرب فإنها الجبال الرواسيعزا والبحور الزواخر طميا والنجوم الزواهر شرفا والحصى عددا فان تعرف لهم فضلهم يعزوك وان تستصرخهم لايخذلوك.

قال كسرى: وخشى أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه حسبك ابلغت وأحسنت.

 

ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال: اطاب الله بك المراشد وجنبك المصائب ووقاك مكروه الشصائب ما أحقنا اذ أتيناكباسماعك ما لا يحنق صدرك ولا يزرع لنا حقدا في قلبك لم نقدم ايها الملك لمساماة ولم ننتسب لمعاداة ولكن لتعلم انتورعيتك ومن حضرك من وفود الأمم انا في المنطق غير محجمين وفي الناس غير مقصرين ان جورينا فغير مسبوقين وانسومينا فغير مغلوبين.

قال كسرى: غير أنكم اذا عاهدتم غير وافين وهو يعرض به في تركه الوفاء بضمانه السواد.

قال قيس: ايها الملك ما كنت في ذلك الا كواف غدر به او كخافر بذمتهقال كسرى: ما يكون لضعيف ضمان ولا لذليل خفارةقال قيس: ايها الملك ما انا فيما اخفر من ذمتي احق بالزامي العار منك فيما قتل من رعيتك وانتهك من حرمتكقال كسرى:ذلك لأن من ائتمن الخانة واستنجد الأثمة ناله من الخطأ ما نالني وليس كل الناس سواء كيف رأيتحاجب بن زرارة لميحكم قواه فيبرم ويعهد فيوفي ويعد فينجزقال: وما احقه بذلك وما رأيته الا ليقال كسرى القوم بزل فأفضلها اشدها.

 

ثم قام عامر بن الطفيل العامري فقال: كثر فنون المنطق ولبس القول أعمى من حندس الظلماء وانما الفخر في الفعالوالعجز في النجدة والسؤدد مطاوعة القدرة وما اعلمك بقدرنا وابصرك بفضلنا وبالحرى ان ادالت الايام وثابت الاحلام انتحدث لنا امورا لها اعلامقال كسرى وما تلك الاعلامقال مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكرقال كسرى وماالأمر الذي يذكرقال مالي علم بأكثر مما اخبرني به مخبر.

قال: كسرى متى تكاهنت يابن الطفيلقال لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن قال كسرى: فإن اتاك آت من جهة عينكالعوراء ما أنت صانعقال ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي وما أذهب عيني عيث ولكن مطاوعة العبث.

 

ثم قام عمرو بن معد يكرب الزبيدي فقال: إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فبلاغ المنطق الصواب وملاك النجعة الارتيادوعفو الرأي خير من استكراه الفكرة وتوقيف الخبرة خير من اعتساف الحيرة فاجتبذ طاعتنا بلفظك واكتظم بادرتنابحلمك وألن لنا كنفك يسلس لك قيادنا فإنا أناس لم يوقس صفاتنا قراغ مناقير من أراد لنا قضما ولكن منعنا حمانا من كلمن رام لنا هضما.

 

ثم قام الحارث بن ظالم المري فقال: إن من آفة المنطق الكذب ومن لؤم الأخلاق الملق ومن خطل الرأي خفة الملك المسلط فاناعلمناك ان مواجهتنا لك عن الائتلاف وانقيادنا لك عن تصاف فما انت لقبول ذلك منا بخليق ولا للاعتماد عليه بحقيقولكن الوفاء بالعهود واحكام ولث العقود والأمر بيننا وبينك معتدل ما لم يأت من قبلك ميل او زلل.

قال كسرى: من انتقال الحرث بن ظالم قال: ان في أسماء آبائك لدليلا على قلة وفائك وان تكون أولى بالغدر وأقرب منالوزرقال الحرث إن في الحق مغضبة والسرو التغافل ولن يستوجب احد الحلم الا مع القدرة فلتشبه افعالك مجلسكقالكسرى هذا فتى القوم.

ثم قال كسرى: قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم وتفنن فيه متكلموكم ولولا اني اعلم ان الادب لم يثقف أودكم ولم يحكم أمركموانه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب علىطباعكم لم أجز لكم كيرا ما تكلمتم به واني لأكره ان اجبه وفودي او أحنق صدورهم والذي أحب من اصلاح مدبركم وتألفشواذكم والاعذار الى الله فيما بيني وبينكم وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب وصفحت عما كان فيه من خللفانصرفوا الى ملككم فأحسنوا موازرته والتزموا طاعته واردعوا سفهاءكم واقيموا أودهم وأحسنوا أدبهم فان في ذلكصلاح العامة.