الأربعاء، 29 مايو 2013

حديث : « الأرضُ كُلُّها مَسْجِدٌ إلاَّ المَقْبَرَة والحمَّامَ »

مسند أحمد بن حنبل- سنن أبي داوود- سنن الترمڈي- سنن ابن ماجة- صحيح ابن حبان- الحاكم عن / أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: « الأرضُ كُلُّها مَسْجِدٌ إلاَّ المَقْبَرَة والحمَّامَ »
[ صحيح • انظر الحديث رقم -٢٧٦٧- في صحيح الجامع ]
الشـــرح :
٣٠٤٨ - (الأرض كلها مسجد) أي محل للسجود (إلا الحمام والمقبرة) فإنهما غير محل للصلاة فيهما تنزيها وتصح ما لم تتبين نجاسة محل منها للصلاة كما لو نبشت المقبرة هذا ما عليه الشافعية وأخذ أحمد بظاهره فأبطل الصلاة فيهما مطلقا ومنع بأن التأكيد بكل ينفي المجاز فدل على الصحة فيهما عند التحرز من النجاسة قال ابن حجر رحمه الله: وهذا الحديث يعارضه عموم الخبر المتفق عليه وجعلت الأرض طيبة وطهورا ومسجدا قال الرافعي: واحتج بهذا بعض أصحابنا على أنه لو قال جعلت هذه الأرض مسجدا لا تصير وقفا مسجدا بمجرد هذا اللفظ
(حم د ت هـ حب ك) كلهم في الصلاة وكذا البزار (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حديث في اضطراب وتبعه عبد الحق وضعفه جمع قال النووي رحمه الله والذي ضعفوه أتقن من الحاكم الذي صححه وقال ابن حجر في تخريج الشرح هو حديث مضطرب وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وقال في تخريج الهداية قال الترمذي: فيه اضطراب أرسله سفيان ووصله حماد واختلف فيه علي بن إسحاق وصححه ابن حبان والحاكم قال: ويعارضه عموم قوله في حديث جابر وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا متفق عليه وفي حديث أبي أمامة وجعلت لي الأرض كلها مسجدا اه. وقال ابن تيمية: أسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه .



الاثنين، 20 مايو 2013

سنن سعيد بن منصور- مسند أحمد بن حنبل عن / محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : « اثنتان يَكْرَهُهُما ابنُ آدَمَ: يَكْرَهُ المَوْتَ والمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ منَ الفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ المالِ وقِلَّةُ المالِ أقَلُّ لِلْحِسابِ » [صحيح • انظر الحديث رقم -١٣٩- في صحيح الجامع ]

الشـــرح :
١٦٦ - (اثنان يكرههما ابن آدم) غالبا قيل: وما هما قال: (يكره الموت) أي نزوله به (والموت) أي موته (خير له من الفتنة) أي الكفر والضلال أو الإثم أو الاختبار والامتحان ونحوهما وذلك لأنه مادام حيا لا يأمن الوقوع في ذلك ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومن غير الغالب من أتحفه الله بلطف من عنده فحبب إليه الموت كما حببه لسحرة فرعون حين قال لأقطعن أيديكم فكشف لهم عما أعد لهم فقالوا لا ضير وكما لوى على علي كرم الله وجهه رعيته حتى شاقوه وقاتلوه مع كونه الإمام الحق حتى أخذ بلحيته قائلا: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذه وأشار بيده إلى رأسه. قال الراغب: والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة انتهى وقد تكون الفتنة في الدين كالارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي وإليه أشار المصطفى بقوله " إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون (ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب) يعني السؤال عنه كما في خبر " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع " وفيه عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه أي ولو حلالا وسمى المال مالا لأنه يميل القلوب عن الله تعالى قال الراغب: والحساب استعمال العدد
(ص حم) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن محمود بن لبيد) الأنصاري قال في الكشاف: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورواياته مرسلة وفي أسد الغابة نحوه قال المنذري: رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح قال ومحمود له رواية ولم يصح له سماع وقال الهيتمي خرجه أحمد بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته هنا وقال في الكبير صحيح انتهى لكن عرفت أنه مرسل .

هل يجوز أن يتولى عقد النكاح ولي متأخر في الترتيب لأسباب اجتماعية

هل يجوز أن يتولى عقد النكاح ولي يتأخر في الترتيب عن الولي ، الأصلي في أثناء وجوده ، لأسباب اجتماعية ؟

الجواب :
الحمد لله
أولا :
الولاية في النكاح أمر عظيم له خطره ، شرعه الله عز وجل لعباده ، صيانة للمرأة ، ورعاية لحقها ، ونظرا لمصلحتها ، فلم يعطها أن تتولى بنفسها عقد النكاح ، لها أو لغيرها ، ولم يسمح لها أن تختار وليها في النكاح ، أو وكيلها فيه ، بل هو مرتب ترتيبا شرعيا ، وليس من وضع العباد .
قال البهوتي رحمه الله :
"ويقدم أبو المرأة" الحرة "في إنكاحها" ؛ لأنه أكمل نظرا وأشد شفقة ، "ثم وصيه فيه" ، أي : في النكاح ، لقيامه مقامه ، " ثم جدها لأب وإن علا " : الأقرب فالأقرب ؛ لأن له إيلادا وتعصيبا ، فأشبه الأب ، "ثم ابنها ، ثم بنوه وإن نزلوا" : الأقرب فالأقرب ، لما روت أم سلمة أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت: يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدا قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك" فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي " ، ثم أخوها لأبوين ، " ثم لأب ، كالميراث " ، ثم بنوهما كذلك " وإن نزلوا ؛ يقدم من لأبوين على من لأب إن استووا في الدرجة ، الأقرب فالأقرب " ، ثم عمها لأبوبن ، ثم لأب لما تقدم ، ثم بنوهما كذلك ، على ما سبق في الميراث ، " ثم أقرب عصبته بسبب ، كالإرث " ، فأحق العصبات بعد الإخوة بالميراث : أحقهم بالولاية ؛ لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر ، وذلك معتبر بمظنته وهو القرابة ، " ثم المولى المنعِم " بالعتق ، لأنه يرثها ويعقل عنها ، "ثم أقرب عصبته نسبا" على ترتيب الميراث ، ثم إن عدموا فعصبة ولاء على ما تقدم ، "ثم السلطان" ، وهو الإمام أو نائبه قال أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها.. " انتهى من "الروض المربع (335-336) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" جهات الولاية في عقد النكاح خمس، أبوة، ثم بنوة، ثم أخوة، ثم عمومة، ثم ولاء، فإن كانوا في جهة واحدة قدم الأقرب منزلة، والأقرب هو الذي يجتمع مع الآخر قبل المحجوب، فمن بينه وبين الجد ثلاثة أقرب ممن بينه وبين الجد أربعة، وهلم جرّاً، فإن كانوا في منزلة واحدة فالأقوى، فأخ شقيق وأخ لأب، الولي الأخ الشقيق " انتهى من الشرح الممتع (12/84) .
ثانياً :
الواجب مراعاة الترتيب بين الأولياء ، على ما ذكر ، فلا يجوز أن يتقدم الولي الأبعد على الولي الأقرب في عقد النكاح .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" إذا زوجها الولي الأبعد مع حضور الولي الأقرب ، فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه : لم يصح . وبهذا قال الشافعي .
وقال مالك : يصح لأن هذا ولي له أن يزوجها بإذنها كالأقرب .
ولنا : أن هذا مستحق بالتعصيب ، فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب ؛ كالميراث . وبهذا فارق القريب البعيد " انتهى من " المغني " (7/364) ، وينظر: "الموسوعة الفقهية" (33/90).
وقال البهوتي رحمه الله :
"وإن زوج الأبعد أو" زوج "أجنبي" ولو حاكما "من غير عذر" للأقرب "لم يصح" النكاح لعدم الولاية من العاقد عليها مع وجود مستحقها " . انتهى من "الروض المربع" (336) .
ومن الأعذار التي تبيح تخطي الولي الأقرب ، إلى من هو أبعد منه في عقد النكاح : ألا يكون أهلا لأن يعقد ذلك .
قال الحجاوي رحمه الله في "زاد المستقنع" :
" فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً، أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" قوله: «أهلاً» يعني ليس أهلاً للولاية، مثل أن يكون صغيراً أو فاسقاً، أو مخالفاً في الدين، أو ما أشبه ذلك؛ فإن وجود من ليس بأهل كالعدم لا فائدة من وجوده " انتهى من الشرح الممتع (12/89) .
والحاصل : أن الولي الأبعد لا يجوز أن يعقد النكاح ، مع وجود الولي الأقرب ، إلا أن يكون هناك عذر شرعي يبيح ذلك .
فإن كانت الأسباب الاجتماعية المشار إليها في السؤال تمنع الولي الأقرب من عقد النكاح ، كأن يكون سفيها ، لا يحسن التصرف ، أو يكون فاسقا ، أو غير ذلك من الأعذار الشرعية : جاز أن يعقد النكاح من هو أبعد منه .
وأما إذا كانت الأسباب الاجتماعية لا تعلق لها بالمانع الشرعي : فإنه لا عبرة بها ، ولا يجوز التذرع بها لتخطي مقام الولي الأقرب ، وتعدي حقه في الولاية التي جعلها الشرع له .
فإذا احتاج الناس ، لسبب ما ، أن يعقد النكاح من هو أبعد ، ورضي الولي الأقرب بذلك : فللولي الأقرب أن يوكل ذلك البعيد ، أو غيره ممن يصلح لعقد النكاح ، حتى ولو لم تكن له ولاية أصلا .
سئل علماء اللجنة :
" أحيانا يعقد للمرأة أخوها ، مع وجود والدها أو جدها ، تفويضا وموافقة ، فهل يصح العقد على تلك الصيغة ؟ أي يعقد الولي الأدنى مع وجود الولي الأعلى وموافقته ؟ " .
فأجابوا :
" إذا عقد الولي الأبعد للمرأة في النكاح مع وجود الولي الأقرب ، بدون عذر شرعي للولي الأقرب ، ولا وصية منه : فإن عقده باطل ، ولا يصح معه النكاح ؛ لأنه لا ولاية له على المرأة ، مع وجود مستحقها وهو الولي الأقرب منه .
لكن من يحق له أن يعقد للمرأة ، إذا تنازل عن الولاية لمن هو أدنى منه ، أو أوصى من هو أهل للولاية بأن يعقد لموليته : جاز عقده ، وصح النكاح ؛ لأنه حق له تنازل عنه لمن وكله فقام مقامه .
وعلى ذلك : فإنه يجوز للأخ أن يلي عقد أخته ، إذا وكله وفوضه وليها الأحق بعقد نكاحها. وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من فتاوى اللجنة (18/174) .


موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/ref/150788&b=4&f=norefer

قال جل جلاله في سورة النساء : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) }

التفسير الميسر :
وأعطوا النساء مهورهن, عطية واجبة وفريضة لازمة عن طيب نفس منكم. فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر فوهَبْنه لكم فخذوه, وتصرَّفوا فيه, فهو حلال طيب.


في تفسير الجلالين 
{ وَءَاتُواْ } أعطوا { ٱلنّسَاءَ صَدُقَٰتِهِنَّ } جمع (صَدُقَة) ( مهورهن) { نِحْلَةً } مصدر عطية عن طيب نفس { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مّنْهُ نَفْساً } تمييز محول عن الفاعل، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصداق فوهبنه لكم { فَكُلُوهُ هَنِيئاً } طيباً { مَّرِيئاً } محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة نزلت ردًّا على من كره ذلك.


وفي تفسير السعدي :
ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونـهن حقوقهن، خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرًا، ودفعة واحدة، يشق دفعه للزوجة، أمرهم وحثهم على إيتاء النساء ( صَدُقَاتِهِنَّ ) أي: مهورهن ( نِحْلَةً ) أي: عن طيب نفس، وحال طمأنينة، فلا تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئا. وفيه: أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنـها تملكه بالعقد، لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك.

( فَإِنْ طِبْنَ لَكُم عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ ) أي: من الصداق ( نَفْسًا ) بأن سمحن لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه، أو تأخيره أو المعاوضة عنه. ( فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) أي: لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة.

وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها -ولو بالتبرع- إذا كانت رشيدة، فإن لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء، غير ما طابت به.


قال القرطبي فيه عشر مسائل:
الأُولى ـ قوله تعالى: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ } الصّدُقات جمعٌ، الواحدة صَدُقة. قال الأخفش: وبنو تميم يقولون صُدْقة والجمع صُدْقات، وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت. قال المازنيّ: يقال صِداق المرأة (بالكسر)، ولا يقال بالفتح. وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النحاس. والخِطاب في هذه الآية للأزواج؛ قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وابن جريج. أمرهم الله تعالى بأن يتبرّعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم. وقيل: الخِطاب للأولياء؛ قاله أبو صالح. وكان الوليّ يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها شيئاً، فنُهُوا عن ذلك وأمِروا أن يدفعوا ذلك إليهن. قال في رواية الكلبيّ: إن أهل الجاهلية كان الوليّ إذا زوّجها فإن كانت معه في العِشرة لم يعطها من مهرها كثيراً ولا قليلا، وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئاً غير ذلك البعير؛ فنزل: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }. وقال المُعْتَمِر بن سليمان عن أبيه: زعم حضرميّ أن المراد بالآية المتَشَاغِرون الذين كانوا يتزوّجون ٱمرأة بأُخرى، فأُمِروا أن يضربوا المهور. والأوّل أظهر؛ فإن الضمائر واحدة وهي بجملتها للأزواج فهم المراد؛ لأنه قال: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } إلى قوله: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }. وذلك يوجب تناسق الضمائر وأن يكون الأوّل فيها هو الآخر.

الثانية ـ هذه الآية تدلّ على وجوب الصداق للمرأة، وهو مُجَمعٌ عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض (أهل العلم) من أهل العراق أن السيّد إذا زوّج عبده من أَمَته أنه لا يجب فيه صداق؛ وليس بشيء؛ لقوله تعالى: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فعمّ. وقال: 
{ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ }

[النساء: 25] وأجمع العلماء أيضاً أنه لا حَدّ لكثيره، واختلفوا في قليله على ما يأتي بيانه في قوله: 
{ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً }

[النساء: 20]. وقرأ الجمهور «صَدُقَاتِهِنّ» بفتح الصاد وضم الدال. وقرأ قتادة «صُدْقاتِهِن» بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ النَّخَعيّ وابن وَثّاب بضمهما والتوحيد «صُدُقَتَهُنّ».
الثالثة ـ قوله تعالى: { نِحْلَةً } النِّحلة والنُّحلة، بكسر النون وضمها لغتان. وأصلها من العطاء؛ نحلْتُ فلاناً شيئاً أعطيته. فالصداق عطِيّة من الله تعالى للمرأة. وقيل: «نِحْلة» أي عن طيب نفس من الأزواج من غير تنازع. وقال قتادة: معنى «نِحلة» فريضة واجبة. ابن جُريج وابن زيد: فريضةً مُسَمّاةً. قال أبو عبيد؛ ولا تكون النِّحلة إلا مسمّاة معلومة. وقال الزجاج: «نحلة» تَديُّناً. والنِّحلة الديانة والمِلّة. يقال: هذا نِحلته أي دينه. وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية، حتى قال بعض النساء في زوجها: 
لا يأخذُ الحُلْوانَ من بناتنا   

تقول: لا يفعل ما يفعله غيره. فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء.
و «نِحْلَةً» منصوبة على أنها حال من الأزواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نِحلة. وقيل: هي نصب على التفسير. وقيل: هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال.

الرابعة ـ قوله تعالى: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } مخاطبة للأزواج، ويدل بعمومه على أن هِبة المرأة صدَاقها لزوجها بِكْراً كانت أو ثيّبا جائزة؛ وبه قال جمهور الفقهاء. ومنع مالكٌ من هِبة البِكر الصّداقَ لزوجها وجعل ذلك للوَلِيّ مع أن المِلك لها. وزعم الفرّاء أنه مخاطبة للأولياء؛ لأنهم كانوا يأخذون الصداق ولا يُعطون المرأة منه شيئاً، فلم يُبَح لهم منه إلاّ ما طابت به نفس المرأة. والقول الأوّل أصح؛ لأنه لم يتقدّم للأولياء ذِكْر، والضمير في «مِنْهُ» عائد على الصداق. وكذلك قال عِكرمة وغيره. وسبب الآية فيما ذُكِر أن قوماً تحرّجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ }.

الخامسة ـ وٱتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه. إلا أن شُرَيْحَا رأى الرجوع لها فيه، واحتج بقوله: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفساً. قال ابن العربيّ: وهذا باطل؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها؛ إذ ليس المراد صورة الأكل، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال، وهذا بَيّن.

السادسة ـ فإن شرطت عليه عند عقد النكاح ألاّ يتزوّج عليها، وحطّت عنه لذلك شيئاً من صداقها، ثم تزوّج عليها فلا شيء لها عليه في رواية ابن القاسم؛ لأنها شرطت عليه ما لا يجوز شرطه. كما اشترط أهل بَرِيرَةَ أن تعتقها عائشة والولاء لبائعها، فصحّح النبيّ صلى الله عليه وسلم العقد وأبطل الشرط. كذلك هٰهنا يصحّ إسقاط بعضِ الصداق عنه وتبطل الزيجة. وقال ابن عبد الحكم: إن كان بقي من صداقها مثلُ صداق مثلها أو أكثرُ لم ترجع عليه بشيء، وإن كانت وَضعت عنه شيئاً من صداقها فتزوّج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها؛ لأنه شَرط على نفسه شرطاً وأخذ عنه عِوَضاً كان لها واجباً أخذه منه، فوجب عليه الوفاء لقوله عليه السلام:

" المؤمنون عند شروطهم ".
السابعة ـ وفي الآية دليل على أن العتق لا يكون صداقاً؛ لأنه ليس بمال؛ إذْ لا يمكن المرأة هبته ولا الزوج أكله. وبه قال مالك وأبو حنيفة وزُفَر ومحمد والشافعي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق ويعقوب: يكون صداقاً ولا مهر لها غير العتق؛ على حديث صفية ـ رواه الأئمة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعتقَها وجعل عتقَها صداقَها. ورُوي عن أنَس أنه فَعَله، وهو راوي حديث صَفِيّة. وأجَاب الأوّلون بأن قالوا: لا حجة في حديث صَفِيّة؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً في النكاح بأن يتزوّج بغير صداق، وقد أراد زينَبَ فحُرمت على زيد فدخل عليها بغير وليّ ولا صداق.
فلا ينبغي الاستدلال بمثل هذا؛ والله أعلم.

الثامنة ـ قوله تعالى: { نَفْساً } قيل: هو منصوب على البَيَان. ولا يجيز سيبويه ولا الكُوفِيّون أن يتقدّم ما كان منصوباً على البَيَان، وأجاز ذلك المَازِنيّ وأبو العباس المُبردّ إذا كان العاملُ فِعْلاً. وأنشد: 
ومـا كـان نفْسـاً بِالفُرَاقِ تَطِيـبُ   

وفي التنزيل { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ } [القمر: 7] فعلى هذا يجوز «شَحْماً تفَقّأت. ووجهاً حَسُنت». وقال أصحاب سيبويه: إن «نفسا» منصوبة بإضمار فعل تقديره أعني نفساً، وليست منصوبة على التمييز؛ وإذا كان هذا فلا حجة فيه. وقال الزجاج. الرواية: 
ومـا كـان نفسـي...   

وٱتفق الجميع على أنه لا يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غير متصرّف كعشرين درهماً.
التاسعة ـ قوله تعالى: { فَكُلُوهُ } ليس المقصود صورةَ الأكل، وإنما المراد به الاستباحةُ بأيّ طريق كان، وهو المعنيُّ بقوله في الآية التي بعدها 
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً }

[النساء: 10]. وليس المراد نفسَ الأكل؛ إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواعِ التمتُّع بالمال عُبِّر عن التصرفات بالأكل. ونظيره قوله تعالى: 
{ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ }

[الجمعة: 9] يعلم أن صورة البيع غيرُ مقصودة، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره؛ ولكن ذُكر البيعُ لأنه أهمّ ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى.
العاشرة ـ قوله تعالى: { هَنِيئاً مَّرِيئاً } منصوب على الحال من الهاء في «كُلُوهُ» وقيل: نعت لمصدر محذوف، أي أكلاً هنيئاً بطيب الأنفس. هَنَأه الطعام والشّراب يَهْنَئُه، وما كان هنيئاً؛ ولقد هَنُؤَ، والمصدر الهِنْءُ. وكل مالم يأت بمشقّة ولا عناء فهو هنِيءٌ. وهَنِيءٌ اسم فاعل من هَنُؤَ كظريف من ظَرُف. وهَنِيء يهْنأ فهو هَنِيء على فَعِل كزَمِن. وهَنأَنِي الطعام ومَرأني على الإتباع؛ فإذا لم يذكر «هَنأني» قلت: أمرأني الطعام بالألف، أي ٱنهضم. قال أبو عليّ: وهذا كما جاء في الحديث:

" ٱرجعنَ مأزُورَات غيرَ مأجورات "
فقلبوا الواو من «مَوْزورات» ألِفاً إتباعاً للفظ مأجورات. وقال أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: يقال هَنِيء وهَنأنِي ومَرأَنِي وأمرأنِي ولا يقال مرئني؛ حكاه الهَروِيّ. وحكى القُشيريّ أنه يقال: هنئني ومَرِئني بالكسر يَهْنَأني ويَمْرَأني، وهو قليل. وقيل: «هَنِيئاً» لا إثم فيه، و «مَرِيئاً» لا داء فيه. قال كثير: 
هَنِيئاً مَرِيئاً غيرَ داء مُخامِر   لِعَزّة من أعْراضِنا ما ٱستَحَلَّتِ

ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئاً وهبته ٱمرأته من مهرها فقال له: كل من الهَنِيءِ المَرِيءِ. وقيل: الهَنيءُ الطيِّب المساغ الذي لا يَنغِّصه شيء، والمريء المحمود العاقبة، التام الهضم الذي لا يضر ولا يؤذِي. يقول: لا تخافون في الدنيا به مطالبة، ولا في الآخرة تَبِعَة. يدل عليه ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ } فقال:
" إذا جادت لزوجها بالعطية طائعةً غير مُكرهة لا يقضي به عليكم سلطان، ولا يؤاخذكم الله تعالى به في الآخرة "
وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته درهماً من صداقها، ثم ليشتر به عسلاً فليشربه بماء السماء؛ فيجمع الله عز وجل له الهنيءَ والمَرِيءَ والماء المبارك. والله أعلم.


قال البغوي :
( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) قال الكلبي ومجاهد: هذا الخطاب للأولياء، وذلك أن وليّ المرأة كان إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا ولا كثيرًا، وإن كان زوجها غريبًا حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك. فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله.

[قال الحضرمي: كان أولياء النساء يُعطي هذا أُخته على أن يعطيه الآخرُ أُخته، ولا مهرَ بينهما، فنُهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر في العقد. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشِّغَار".

والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل الآخر ابنته، وليس بينهما صداق" 

وقال الآخرون: الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق، وهذا أصح، لأن الخطاب فيما قبل مع الناكحين، والصَّدُقَات: المهور، واحدها صدقة ( نِحْلَة ) قال قتادة: فريضةً، وقال ابن جريج: فريضة مسماة، قال أبو عبيدة: ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة، وقال الكلبي: عطية وهبة، وقال أبو عبيدة: عن طيب نفس]  ، وقال الزجاج: تدينا.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"  .

( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا ) يعني: فإن طابت نفوسُهن بشيء من ذلك فوهبنً منكم، فنقل الفعل من النفوس إلى أصحابها فخرجت النفس مفسرا، فلذلك وحد النفس، كما قال الله تعالى:  وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ( هود -77 )( العنكبوت -33 )  وَقَرِّي عَيْنًا  ( مريم -26 ) وقيل: لفظها واحد ومعناها جمع، ( فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) سائغًا طيبًا، يقال هنأ في الطعام يهنأ بفتح النون في الماضي وكسرها في الباقي  ، وقيل: الهنأ: الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر، قرأ أبو جعفر ( هَنِيئًا مَرِيئًا ) بتشديد الياء فيهما من غير همز، وكذلك "بري" ، "وبريون" ، "وبريا"وكهية" والآخرون يهمزونها.


قال ابن كثير 
وقوله: ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: النحلة: المهر.

وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: نحلة: فريضة. وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة: أي فريضة. زاد ابن جريج: مسماه. وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب، يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون  تسمية الصداق كذبا بغير حق.

ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا بها، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبًا؛ ولهذا قال [تعالى] ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا )

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنان، حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي، عن سفيان، عن السدي، عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة، عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا، فَلْيسأل امرأته ثلاثة  دراهم أو نحو ذلك، فليبتع بها عسلا ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئًا مريئًا شفاء مباركا.

وقال هُشَيم، عن سيار، عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، ونزل: ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا وكيع، عن سفيان عن عمير  الخثعمي، عن عبد الملك  بن المغيرة الطائفي، عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) قالوا: يا رسول الله، فما العلائق بينهم؟ قال: "ما تراضى عليه أهْلوهُم"  .

وقد روى ابن مَرْدُويه من طريق حَجَّاج بن أرْطاة، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البَيْلمَاني  عن عمر بن الخطاب قال: خَطَبَ  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنكحوا الأيامى" ثلاثا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: "ما تراضى عليه أهلوهم".


قال الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة، وفريضة لازمة؛ يقال منه: نحل فلان فلانا كذا، فهو ينحله نحلة ونحلا. كما:6773 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} يقول: فريضة.6774 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} يعني بالنحلة: المهر.6775 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال: فريضة مسماة.6776 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال: النحلة في كلام العرب: الواجب، يقول: لا ينكحها إلا بشيء واجب لها صدقة، يسميها لها واجبة، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق.وقال آخرون: بل عنى بقوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} أولياء النساء، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن. ذكر من قال ذلك:6777 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن سيار، عن أبي صالح، قال: كان الرجل إذا زوج أيمة أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك، ونزلت: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} وقال آخرون: بل كان ذلك من أولياء النساء، بأن يعطي الرجل أخته الرجل، على أن يعطيه الآخر أخته، على أن لا كثير مهر بينهما، فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك:6778 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أن أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ويأخذ أخت الرجل، ولا يأخذون كثير مهر، فقال الله تبارك وتعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك التأويل الذي قلناه، وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساء، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن، وعرفهم سبيل النجاة من ظلمهن؛ ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم. فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} هم الذين قيل لهم: {وآتوا النساء صدقاتهن} وأن معناه: وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في الأول: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ولم يقل: فانكحوا، فيكون قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن} مصروفا إلى أنه معني به أولياء النساء دون أزواجهن، وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهن والمسمى لهن الصداق أن يؤتوهن صدقاتهن دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسم لها في عقد النكاح صداق..القول في تأويل قوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} يعني بذلك جل ثناؤه: فإن وهب لكم أيها الرجال نساؤكم شيئا من صدقاتهن، طيبة بذلك أنفسهن، فكلوه هنيئا مريئا. كما:6779 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عمارة، عن عكرمة: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} قال: المهر.6780 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، عن عمارة، عن عكرمة، عن عمارة في قول الله تبارك وتعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} قال: الصدقات.6781 - حدثني المثنى، قال: ثني الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} قال: الأزواج.6782 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبيدة، قال: قال لي إبراهيم: أكلت من الهنيء المريء! قلت: ما ذاك؟ قال: امرأتك أعطتك من صداقها.6783 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره، فقال له علقمة: ادن، فكل من الهنيء المريء!6784 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} يقول: إذا كان غير إضرار ولا خديعة، فهو هنيء مريء كما قال الله جل ثناؤه.6785 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} قال: الصداق، {فكلوه هنيئا مريئا} 6786 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} 6787 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته، فقال الله تبارك وتعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} 6788 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} يقول: ما طابت به نفسا في غير كره أو هوان، فقد أحل الله لك ذلك أن تأكله هنيئا مريئا.وقال آخرون: بل عني بهذا القول: أولياء النساء، فقيل لهم: إن طابت أنفس النساء اللواتي إليكم عصمة نكاحهن بصدقاتهن نفسا، فكلوه هنيئا مريئا. ذكر من قال ذلك:6789 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا سيار، عن أبي صالح في قوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} قال: كان الرجل إذا زوج ابنته عمد إلى صداقها فأخذه، قال: فنزلت هذه الآية في الأولياء: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الذي قلنا وأن الآية مخاطب بها الأزواج؛ لأن افتتاح الآية مبتدأ بذكرهم، وقوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} في سياقه.وإن قال قائل: فكيف قيل: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا، وقد علمت أن معنى الكلام: فإن طابت لكم أنفسهن بشيء؟ وكيف وحدت النفس والمعنى للجميع، وذلك أنه تعالى ذكره قال: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قيل: أما نقل فعل النفوس إلى أصحاب النفوس، فإن ذلك المستفيض في كلام العرب من كلامها المعروف: ضقت بهذا الأمر ذراعا وذرعا، وقررت بهذا الأمر عينا، والمعنى: ضاق به ذرعي، وقرت به عيني، كما قال الشاعر:إذا التياز ذو العضلات قلنا إليك إليك ضاق بها ذراعافنقل صفة الذراع إلى رب الذراع، ثم أخرج الذراع مفسرة لموقع الفعل. وكذلك وحد النفس في قوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} إذ كانت النفس مفسرة لموقع الخبر وأما توحيد النفس من النفوس، لأنه إنما أراد الهوى، والهوى يكون جماعة، كما قال الشاعر:بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليبوكما قال الآخر:في حلقكم عظم وقد شجيناوقال بعض نحويي الكوفة: جائز في النفس في هذا الموضع الجمع والتوحيد؛ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا وأنفسا، وضقت به ذراعا وذرعا وأذرعا، لأنه منسوب إليك، وإلى من تخبر عنه، فاكتفى بالواحد عن الجمع لذلك، ولم يذهب الوهم إلى أنه ليس بمعنى جمع لأن قبله جمعا.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن النفس وقع موقع الأسماء التي تأتي بلفظ الواحد مؤدية معناه إذا ذكر بلفظ الواحد، وأنه بمعنى الجمع عن الجمع.وأما قوله: {هنيئا} فإنه مأخوذ من هنأت البعير بالقطران: إذا جرب فعولج به، كما قال الشاعر:متبذلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقبفكان معنى قوله: {فكلوه هنيئا مريئا} فكلوه دواء شافيا، يقال منه: هنأنى الطعام ومرأني: أي صار لي دواء وعلاجا شافيا، وهنئني ومرئني بالكسر، وهي قليلة، والذين يقولون هذا القول يقولون يهنأني ويمرأني، والذين يقولون هنأني، يقولون: يهنئني ويمرئني، فإذا أفردوا، قالوا: قد أمرأني هذا الطعام إمراء، ويقال: هنأت القوم: إذا علتهم، سمع من العرب من يقول: إنما سميت هانئا لتهنأ، بمعنى: لتعول وتكفي.