السؤال :
هناك قصة عن الكلمات الثلاثة ( سبحان الله والحمد لله ،............ ) كيف وجدت والتي وجدتها على شبكة الانترنت عن الملائكة الذين كانوا يحاولون نقل العرش ( عرش الرحمن ) ، وأنه لن يتزحزح ، ولذا فقال لهم الله أن يقولوا سبحان الله .. وتحرك . ثم لما خلق الله آدم وأحيا بداخله الحياة أول شيء فعله أنه عطس ، وقال الحمد لله . وهكذا كانت هذه الكلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، فهل هذه القصة صحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
انتشر في كثير من المنتديات والمواقع على الإنترنت خبر تناقلوه مفاده أن الله تعالى عندما أمر الملائكة بحمل العرش لم يستطيعوا حمله لثقله فأمرهم أن يقولوا " سبحان الله " فلما قالوها استطاعوا حمله بسهولة .
ومثل هذا من الغيب الذي يحتاج في إثباته إلى نص ثابت من الكتاب أو السنة .
ولم نجد لهذا الكلام أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف ، ولا وجدناه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا علمنا أحدا من أهل العلم – بعد البحث والتحري – ذكر شيئا من ذلك ، فالواجب ترك ذكره ، والحذر من تناقله ونشره بين الناس .
وفي فضل التسبيح والتحميد والباقيات الصالحات من الأحاديث الصحيحة ما يغني عن ذلك ، فمن ذلك ما رواه مسلم (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ) .
وروى أحمد (6547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنْ اثْنَتَيْنِ : آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ ... ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (134)
والنصوص في ذلك كثيرة .
ثانيا :
أما خبر آدم عليه السلام : فقد روى الترمذي (3368) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ . اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ - إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ – فَقُلْ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، قَالُوا وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ ... ) .
قال الترمذي عقبه : " هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وروى ابن حبان في "صحيحه" (6164) والبيهقي في "الشعب" (9323) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما خلق الله آدم عطس فألهمه ربه أن قال : الحمد لله . فقال له ربه : يرحمك الله ) .
وروى ابن حبان أيضا (6165) عن ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما نفخ في آدم ، فبلغ الروح رأسه عطس ، فقال: الحمد لله رب العالمين.
فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله ) .
لكن قول القائل في هذه القصة : ( وهكذا كانت هذه الكلمات ) : أيضا مما لا أصل له في قصة آدم ، أن هذا أول معرفة الخلق بحمد الله ، بل كل ما فيها أن الله ألهمه الحمد حينئذ ، ولا زيادة على ذلك ، ولا أن هذه الكلمات خلقها الله حينئذ ، ولا أن هذه الكلمات مخلوقة أصلا ؛ بل كل هذا من التخرص ، والرجم بالغيب .
وينظر : جواب السؤال رقم : (10153) .
ثم إن التسبيح والذكر كان معروفا لدى الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام ؛ كما قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة /30 .
والتسبيح والتحميد والتقديس والذكر من وظائف الملائكة الدائمة ، لا يفترون عن ذكر الله ، وقد خلقهم الله قبل آدم ؛ كما قال تعالى : ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ) فصلت/ 38
فلا يتوهمنّ السائل أن التسبيح والتحميد والتكبير لم يكن معروفا لدى الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام .
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/ref/190587
الأحد، 24 مارس 2013
هل ثبت أن الملائكة كانوا لا يطيقون حمل العرش فأمرهم الله بالتسبيح فحملوه ؟
الثلاثاء، 5 مارس 2013
مسند أحمد بن حنبل- البخاري و مسلم عن / سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: « إنّ أهْلَ الجَنّةِ لَيَتَراءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ فِي الجَنّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الكَوَاكِبَ فِي السَّماءِ » [ صحيح • انظر حديث رقم -٢٠٢٦- في صحيح جامع ]
الشـــرح :
٢٢٢٩ - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (١) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض. قال الزمخشري: والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي
_________
(١) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين .
٢٢٢٩ - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (١) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض. قال الزمخشري: والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي
_________
(١) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين .
السبت، 2 مارس 2013
قال جل جلاله في سورة التغابن : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) }
في التفسير الميسر :
الله هو الذي أوجدكم من العدم, فبعضكم جاحد لألوهيته, وبعضكم مصدِّق به عامل بشرعه, وهو سبحانه بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازيكم بها.
في تفسير الجلالين :
{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } في أصل الخلقة ثم يميتكم ويعِيدكُمْ على ذلك { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.
في تفسير السعدي :
وذكر أنه خلق العباد، وجعل منهم المؤمن والكافر، فإيمانهم وكفرهم كله، بقضاء الله وقدره، وهو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة وإرادة، بها يتمكنون من كل ما يريدون من الأمر والنهي، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
في تفسير ابن كثير :
قال الطبراني : حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي ، حدثنا العباس بن الوليد الخلال ، حدثنا الوليد بن الوليد ، حدثنا ابن ثوبان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن "
أورده ابن عساكر في ترجمة " الوليد بن صالح " وهو غريب جدا ، بل منكر .
وقوله : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) أي : هو الخالق لكم على هذه الصفة ، وأراد منكم ذلك ، فلا بد من وجود مؤمن وكافر ، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال ، وهو شهيد على أعمال عباده ، وسيجزيهم بها أتم الجزاء ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون بصير )
في تفسير القرطبي :
قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً. وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ قال: خَطَبَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً فذكر شيئاً مما يكون فقال:
" يولد الناس على طبقات شتىَّ. يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت مؤمناً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت كافراً. ويولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت مؤمناً "
وقال ابن مسعود: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
" خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً "
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود:
" وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبِق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها "
خرّجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع. وفي صحيح مُسْلم عن سهل بن سعد السّاعديّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يَبْدُو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة "
قال علماؤنا: والمعنى تعلّق العلم الأزلي بكل معلوم؛ فيجري ما علم وأراد وحكم. فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال، وقد يريده إلى وقت معلوم. وكذلك الكفر. وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق؛ فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه؛ قاله الحسن. وقال غيره: لا حذف فيه؛ لأن المقصود ذكر الطرفين. وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ }. ثم وصفهم فقال: { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } كقوله تعالى:
{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ }
[النور:45] الآية. قالوا: فالله خلقهم، والمَشْي فعلهم. واختاره الحسين بن الفضل، قال: لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ }. واحتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام:
" كل مولود يولد على الفِطرة فأبَوَاه يُهوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه "
الحديث. وقد مضى في «الروم» مستوفى. قال الضحاك: فمنكم كافر في السِّر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السِّر كافر في العلانية كَعمّار وذَوِيه. وقال عطاء بن أبي رَبَاح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب؛ ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب؛ يعني في شأن الأنواء. وقال الزجاج ـ وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة ـ: إن الله خلق الكافر، وكُفْرُه فِعْلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الكفر.
وخلق المؤمن، وإيمانه فعلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعَلمه منه. ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه؛ لأن وجود خلاف المقدور عَجْزٌ، ووجود خلاف المعلوم جَهْلٌ، ولا يَلِيقان بالله تعالى. وفي هذا سلامة من الجبر والقدر؛ كما قال الشاعر:
يا ناظراً في الدِّين ما الأمْرُ لا قَدْرٌ صحّ ولا جَبْرُ
وقال سِيلان: قَدِم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر؟ فقال: أمرٌ تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون؛ فالواجب أن نَرُدّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.
في تفسير البغوي :
هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير [التغابن : 2]
"هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير"، قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً. وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافراً". وقال جل ذكره "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" (نوح- 27). أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي رب نطفة أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يارب أذكر أم أنثى أشقى أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه".
وقال جماعة: معنى الآية: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا، لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم، فقال: "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"، كما قال الله تعالى: "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي" (النور- 45) والله خلقهم والمشي فعلهم. ثم اختلفوا في تأويلها: روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "فمنكم كافر" في حياته مؤمن في العاقبة، "ومنكم مؤمن" في حياته كافر في العاقبة. وقال عطاء بن أبي رباح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. وقيل /: فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه، وهو مذهب الدهرية، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه. وجملة القول فيه: أن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار، وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته، فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه. وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.
في تفسير الطبري :
يقول تعالى ذكره: الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ ) أيها الناس، وهو من ذكر اسم الله (فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول: فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه؛(وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول: ومنكم مصدّق به موقن أنه خالقه أو بارئه، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول: والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطوَ بكم.
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسن بن موسى الأشيب، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا بكر بن سوادة، عن أَبي تميم الجيشانيّ، عن أَبي ذرّ: " إن المَنِيَّ إذَا مَكث في الرحم أربعين ليلة، أتى ملك النفوس، فعرج به إلى الجبار في راحته ، فقال: أي ربّ عبدك هذا ذكر أم أنثى؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض، ثم يقول: أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق: قال: وقرأ أَبو ذرّ فاتحة التغابن خمس آيات ".
الله هو الذي أوجدكم من العدم, فبعضكم جاحد لألوهيته, وبعضكم مصدِّق به عامل بشرعه, وهو سبحانه بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازيكم بها.
في تفسير الجلالين :
{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } في أصل الخلقة ثم يميتكم ويعِيدكُمْ على ذلك { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.
في تفسير السعدي :
وذكر أنه خلق العباد، وجعل منهم المؤمن والكافر، فإيمانهم وكفرهم كله، بقضاء الله وقدره، وهو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة وإرادة، بها يتمكنون من كل ما يريدون من الأمر والنهي، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
في تفسير ابن كثير :
قال الطبراني : حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي ، حدثنا العباس بن الوليد الخلال ، حدثنا الوليد بن الوليد ، حدثنا ابن ثوبان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن "
أورده ابن عساكر في ترجمة " الوليد بن صالح " وهو غريب جدا ، بل منكر .
وقوله : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) أي : هو الخالق لكم على هذه الصفة ، وأراد منكم ذلك ، فلا بد من وجود مؤمن وكافر ، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال ، وهو شهيد على أعمال عباده ، وسيجزيهم بها أتم الجزاء ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون بصير )
في تفسير القرطبي :
قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً. وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ قال: خَطَبَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً فذكر شيئاً مما يكون فقال:
" يولد الناس على طبقات شتىَّ. يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت مؤمناً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت كافراً. ويولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت مؤمناً "
وقال ابن مسعود: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
" خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً "
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود:
" وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبِق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها "
خرّجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع. وفي صحيح مُسْلم عن سهل بن سعد السّاعديّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يَبْدُو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة "
قال علماؤنا: والمعنى تعلّق العلم الأزلي بكل معلوم؛ فيجري ما علم وأراد وحكم. فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال، وقد يريده إلى وقت معلوم. وكذلك الكفر. وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق؛ فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه؛ قاله الحسن. وقال غيره: لا حذف فيه؛ لأن المقصود ذكر الطرفين. وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ }. ثم وصفهم فقال: { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } كقوله تعالى:
{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ }
[النور:45] الآية. قالوا: فالله خلقهم، والمَشْي فعلهم. واختاره الحسين بن الفضل، قال: لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ }. واحتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام:
" كل مولود يولد على الفِطرة فأبَوَاه يُهوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه "
الحديث. وقد مضى في «الروم» مستوفى. قال الضحاك: فمنكم كافر في السِّر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السِّر كافر في العلانية كَعمّار وذَوِيه. وقال عطاء بن أبي رَبَاح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب؛ ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب؛ يعني في شأن الأنواء. وقال الزجاج ـ وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة ـ: إن الله خلق الكافر، وكُفْرُه فِعْلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الكفر.
وخلق المؤمن، وإيمانه فعلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعَلمه منه. ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه؛ لأن وجود خلاف المقدور عَجْزٌ، ووجود خلاف المعلوم جَهْلٌ، ولا يَلِيقان بالله تعالى. وفي هذا سلامة من الجبر والقدر؛ كما قال الشاعر:
يا ناظراً في الدِّين ما الأمْرُ لا قَدْرٌ صحّ ولا جَبْرُ
وقال سِيلان: قَدِم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر؟ فقال: أمرٌ تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون؛ فالواجب أن نَرُدّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.
في تفسير البغوي :
هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير [التغابن : 2]
"هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير"، قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً. وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافراً". وقال جل ذكره "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" (نوح- 27). أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي رب نطفة أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يارب أذكر أم أنثى أشقى أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه".
وقال جماعة: معنى الآية: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا، لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم، فقال: "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"، كما قال الله تعالى: "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي" (النور- 45) والله خلقهم والمشي فعلهم. ثم اختلفوا في تأويلها: روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "فمنكم كافر" في حياته مؤمن في العاقبة، "ومنكم مؤمن" في حياته كافر في العاقبة. وقال عطاء بن أبي رباح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. وقيل /: فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه، وهو مذهب الدهرية، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه. وجملة القول فيه: أن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار، وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته، فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه. وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.
في تفسير الطبري :
يقول تعالى ذكره: الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ ) أيها الناس، وهو من ذكر اسم الله (فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول: فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه؛(وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) يقول: ومنكم مصدّق به موقن أنه خالقه أو بارئه، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول: والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطوَ بكم.
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسن بن موسى الأشيب، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا بكر بن سوادة، عن أَبي تميم الجيشانيّ، عن أَبي ذرّ: " إن المَنِيَّ إذَا مَكث في الرحم أربعين ليلة، أتى ملك النفوس، فعرج به إلى الجبار في راحته ، فقال: أي ربّ عبدك هذا ذكر أم أنثى؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض، ثم يقول: أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق: قال: وقرأ أَبو ذرّ فاتحة التغابن خمس آيات ".
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)